ومنها : أن التصديق المستلزم لعمل القلب أكمل من التصديق الّذي لا يستلزم عمله ، فالعلم الّذي يعمل به صاحبه ، أكمل من العلم الّذي لا يعمل به ، وإذا كان شخصان يعلمان أن الله حق ، ورسوله حق ، والجنة حق ، والنار حق ، وهذا علمه أوجب له محبة الله وخشيته والرغبة فى الجنة ، والهرب من النار ، والآخر علمه لم يوجب ذلك ، فعلم الأول أكمل ، فإن قوة المسبب دالة على قوة السبب ، وهذه الأمور نشأت عن العلم ، فالعلم بالمحبوب يستلزم طلبه ، والعلم بالمخوف ، يستلزم الهرب منه ، فإذا لم يحصل اللازم ، دل على ضعف الملزوم ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ليس المخبر كالمعاين» فإن موسى لما أخبره ربه أن قومه عبدوا العجل ، لم يلق الألواح ، فلما رآهم قد عبدوه ، ألقاها (١) ، وليس ذلك لشك موسى فى خبر الله ، لكن المخبر وإن جزم بصدق المخبر ، فقد لا يتصور المخبر به فى نفسه ، كما يتصوره إذا عاينه ، بل يكون قلبه مشغولا عن تصور المخبر به ، وإن كان مصدقا به ، ومعلوم أن عند المعاينة ، يحصل له من تصور المخبر به ، ما لم يكن عند الخبر ، فهذا التصديق أكمل من ذلك التصديق.
ومنها : أن أعمال القلوب مثل محبة الله ورسوله ، وخشية الله تعالى ورجائه ، ونحو ذلك ، هى كلها من الإيمان ، كما دل على ذلك الكتاب والسنة واتفاق السلف ، وهذه يتفاضل الناس فيها تفاضلا عظيما.
ومنها : أن الأعمال الظاهرة مع الباطنة ، هى أيضا من الإيمان والناس يتفاضلون فيها.
ومنها : ذكر الإنسان بقلبه ما أمره الله به واستحضاره لذلك ، بحيث لا يكون غافلا عنه ، أكمل ممن صدق به وغفل عنه ، فإن الغفلة تضاد كمال العلم والتصديق والذكر ، والاستحضار يكمل العلم واليقين. اه.
__________________
(١) رواه الإمام أحمد : ١ / ٢١٥ ، ٢٧١