نطالبهم في هذا الموضع أن يدلّونا على هؤلاء القوم الّذين دلّ عليهم ، فإنّ الله لم يكن يوجب ولا يوجد قال : ونضطرّهم إلى الإقرار ، إنّ الله إذا دلّ على قوم بأعيانهم ، فحرام مخالفتهم إلى غيرهم.
١٦٩ ـ واحتجّ علينا القوم : أنّ الله عنى بأولي الأمر ، أمراء السّرايا ، فاحتججنا عليهم نحن بقاطعة ، أنّ الله تعالى ، إن كان أمر بطاعة أمراء السّرايا ، فقد أمر بطاعة المنهزمين ، فإنّ أبا بكر كان من أمراء السّرايا يوم خيبر ، ثمّ عمر ، فانهزما ، وهل هذا الأصل إلّا سنّة موسى وهارون حذو القذّة بالقذّة ، والله يقول : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) (١). وكان موسى وهارون وقفا على بني إسرائيل ، يذكّرانهم نعم الله ، ويكرّران ذلك ، ثمّ قالا لهم : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) (٢) ، فكان جوابهم الإباء ، واحتجاجهم بالخوف والرّهبة من القوم الّذين استعظموا أجسادهم ، واستكبروا أبدانهم ، فقالوا : (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا) (٣) فشرط لهم موسى وهارون [عليهماالسلام] الغلبة والنّصر والفلج ، فأبوا إلّا تمسّكا بالمعصية ، ورهبة من القوم ، واتّهموا موسى وهارون في قولهما! ، ففسّقهم موسى (عليه السلام) بقوله : (فَافْرُقْ بَيْنَنا
__________________
(١) سورة الأحزاب ، الآية : ٦٢.
(٢) سورة المائدة ، الآية : ٢١.
(٣) سورة المائدة ، الآية : ٢٢.