يعرفه أولو الألباب.
١٥٤ ـ كَانَ سَبَبُ وِلَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْمَوْسِمَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلىاللهعليهوسلم) اعْتَمَرَ وَمَكَّةُ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ ، حِرْصاً عَلَى الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالْمَشَاهِدِ لِسَوَابِغِ اللهِ فِي تِلْكَ الْأَمَاكِنِ ، فَأَمْسَكَ (صلىاللهعليهوسلم) فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَنِ الْحَجِّ وَمَكَّةُ فِي أَيْدِيهِمْ (١) لِتَدْبِيرِ اللهِ الْعَظِيمِ الَّذِي بَعْضُهُ أَمْرُ بَرَاءَةَ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُنْسِئُ النَّسِيءَ ، وَمَعَ ذَلِكَ ، أَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ كَانُوا يَتَعَايَشُونَ بِالتَّنَاهُبِ وَالتَّغَالُبِ وَالتَّحَارُبِ ، فَكَانَتْ أَشْهُرُ الْحَرَامِ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْمُتَّصِلَةَ ذُو الْقَعْدَةِ ، وَذُو الْحِجَّةِ ، وَالْمُحَرَّمُ ، فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ ، فَوَلَّدُوا بِآرَائِهِمْ حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى الْمُحَرَّمِ فِي السَّنَةِ بَعْدَ السَّنَةِ أَلْغَوْهُ ، وَسَمَّوْهُ صَفَراً ، ثُمَّ بَعْدَ صَفَرٍ شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، وَمَضَوْا عَلَى ذَلِكَ ، وَتَطَاوَلَتِ الْمُدَّةُ ، وَتَفَانَتِ الْقُرُونُ ، فَاخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الْحِسَابُ ، وَلَمْ يَدْرُوا فِي أَيِّ شَهْرٍ هُمْ لِلنَّسِيءِ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى :
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ) ـ إِلَى قَوْلِهِ ـ : (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٢) فَصَارَ حَجُّهُمْ مَجْهُولَ الْوَقْتِ ، لَا يَدْرُونَ إِذَا حَجُّوا فِي أَيَّامِ الْحَجِّ حَجُّوا أَمْ فِي غَيْرِهَا؟!
ثُمَّ وُلِدَ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ أَنْ يَقِفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ ، وَلَا يَمْضِيَ إِلَى عَرَفَةَ ، فَفَسَدَ بِذَلِكَ حَجُّهُمْ ، وَكَانَتْ حَجُّهُمْ فِي الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا :
__________________
(١) وفي «ش» : في يده.
(٢) سورة التّوبة ، الآية : ٣٦.