المستعصم بالله ، وكان اسمه قراجا ، فلمّا أخذت بغداد تزهّد وتسمّى بعبد الرحمن ، واتّصل بالملك احمد وعظم عنده إلى الغاية ، بحيث كان ينزل إلى زيارته ، وإذا شاهده ترجّل ثمّ قبّل يده ، وامتثل جميع ما يشير به. وكان جميع ما يصدر عن الملك من الخير بطريقة ، فأشار عليه ان يتفق مع الملك المنصور وتجتمع كلمتهم ، فندبه لذلك ، وسيّر معه جماعة كثيرة من المغول والأعيان فحضر إلى دمشق في ذي الحجّة سنة اثنتين وثمانين ، واقام بمن معه في دار رضوان ، ورتّب لهم من الاقامات ما لا مزيد عليه ، وبولغ في خدمتهم. وقدم السّلطان إلى الشّام ، فعند وصوله بلغه قتل احمد ، وتملّك ارغون بعده ، فاستحضر الشّيخ عبد الرحمن بقلعة دمشق ليلا ، وسمع رسالته ، ثم أخبره بقتل مرسلة. ثمّ عاد السّلطان إلى مصر ، وبقي عبد الرحمن ومن معه معتقلين بالقلعة ، لكن اختصر أكثر رواتبهم ، وقرّر لهم قدر الكفاية. فلمّا كان في آخر رمضان توفّى عبد الرحمن ، ودفن بسفح قاسيون وقد نيّف على السّتّين ، وبقي من كان معه على حالهم ، وتطاول بهم الاعتقال ، وأهمل جانبهم بالكلّية ، وضاق بهم الحال في المطعم والملبس ، فعمل النّجم يحيى شعرا بعث به إلى ملك الأمراء حسام الدّين ، فمنه :
اولى بسجنك ان يحيط ويحتوي (١) |
|
صيد الملوك وأفخر العظماء |
ما قدر فرّاش وحدّاد |
|
ونفّاط وخربندا (٢) إلى سقّاء |
خدموا رسولا ما لهم علم بما |
|
يخفى وما يبدي (٣) من الأشياء |
لم يتبعوا الشّيخ الرسول ديانة |
|
وطلاب علم واغتنام وعاء |
بل رغبة في نيل ما يتصدّق |
|
السّلطان من كرم وفيض عطاء |
ويؤمّلون فواضلا تأتيه من |
|
لحم وفاكهة (٤) ومن حلواء |
نفروا من الكفّار والتجئوا إلى |
|
الإسلام واتّبعوا سبيل نجاء |
_________________
(١) في ذيل المرآة ٤ / ٢١٧ : «ويصطفى» ، وفي تالى كتاب وفيات الأعيان ١٠٨ «ويقتفي».
(٢) في ذيل المرآة : «وتغاظ خربند».
(٣) في ذيل المرآة : «وما يندى».
(٤) في ذيل المرآة : «وفواكه».