في أواخر القرن الأوّل ، مع أنّ الفرس دخلوا في الإسلام في عهد الخليفة الثاني ؛ أي ابتداء من عام (١٧ ه) ، وهذا يعني أنّه قد انقضت أعوام كثيرة قبل أن يدركوا ويعلموا معنى ومفهوم التشيّع ، فأين هذا من ذاك. وهذا هو ياقوت الحموي يحدّثنا في معجم البلدان بقوله :
قم ، مدينة تذكر مع قاشان ، وهي مدينة مستحدثة إسلامية لا أثر للأعاجم فيها ، وأوّل من مصّرها طلحة بن الأحوص الأشعري ، وكان بدو تمصيرها في أيام الحجّاج بن يوسف سنة (٨٣ ه) ، وذلك أنّ عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث بن قيس ، كان أمير سجستان من جهة الحجّاج ، ثمّ خرج عليه ، وكان في عسكره سبعة عشر نفساً من علماء التابعين من العراقيين ، فلمّا انهزم ابن الأشعث ورجع إلى كابل منهزماً كان في جملة إخوة يقال لهم : عبد الله ، والأحوص ، وعبد الرحمن ، وإسحاق ، ونعيم ، وهم بنو سعد بن مالك بن عامر الأشعري ، وقعوا في ناحية قم ، وكان هناك سبع قرى اسم احداها «كمندان» فنزل هؤلاء الأُخوة على هذه القرى حتّى افتتحوها واستولوا عليها ، وانتقلوا إليها واستوطنوها ، واجتمع عليهم بنو عمّهم وصارت السبع قرى سبع محالّ بها ، وسمّيت باسم إحداها «كمندان» ، فأسقطوا بعض حروفها فسميت بتعريبهم قماً ، وكان متقدّم هؤلاء الأُخوة عبد الله ابن سعد ، وكان له ولد قد ربّي بالكوفة ، فانتقل منها إلى قم ، وكان إمامياً ، وهو الذي نقل التشيّع إلى أهلها ، فلا يوجد بها سنّيّ قط (١).
إذن فهذا كلّه راجع إلى تحليل النظرية من منظار التاريخ ، وأمّا دليله فهو أوهن من بيت العنكبوت ، فإذا كان الفرس لا يعرفون معنى الانتخاب والحرية ، فإنّ العرب أيضاً مثلهم ، فالعربي الذي كان يعيش بالبادية عيشة فردية كان يحبّ
__________________
(١) معجم البلدان ٤ : ٣٩٦ ، مادة قم ، ويقول في مراصد الاطلاع بأنّ أهل قم ، وكاشان كلّهم شيعة إمامية. ولاحظ رجال النجاشي ، ترجمة الرواة الأشعريين فيه.