أوَليس الأولى لنا ألّا نُقسّم رحمة ربّنا وعذابه وجحيمه بيننا كما قسّمه الإسكندري في تعليقته على الكشّاف ، ونتركه إلى الله سبحانه فهو أعلم بمن هو في لظى أو شفة منها ، أو قريب من الجنّة : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (١).
* * *
الثاني : أنّ أكثر الباحثين في الرؤية يبحثون في مفهوم الرؤية لغةً ، ويحشدون كلمات أهل اللغة من القدامى والجدد ، كما أنّهم يبحثون في واقع الرؤية علمياً ، وهل هي بسقوط الشعاع من العين على الأشياء أو بالعكس ، مع أنّا في غنى عن هذه المباحث ، إذْ ليس البحث في المقام عن لغة الرؤية ولا في واقعها العلمي ، وإنّما البحث في أمر اختلفت فيه كلمة الأُمّة ، ألا وهو رؤية الله تعالى بالعين في الآخرة ، وليس البحث في هذا الإطار متوقّفاً على دراسة مفهوم الرؤية وواقعها ، وليس مفهومها أمراً مبهماً حتّى نستمدّ في تفسيرها من كتب اللغة.
وإن شئت قلت : إنّ البحث كلامي مركّز على إمكان رؤية الله بالعين في الآخرة وعدمه.
نعم ، من أراد الاستدلال على الجواز ببعض الأحاديث الماضية من أنّكم سترون ربّكم يوم القيامة ... وشككنا في معنى الرؤية ، كان البحث عن مفهومها أمراً صحيحاً ، وقد سبق منّا أنّ محلّ النزاع هو إمكان الرؤية بالعين الّتي نرى بها الأشياء في الدنيا ، وأمّا الرؤية بحاسّة سادسة أو بالقلب أو بالرؤيا فليس مطروحاً في المقام ، ولذلك استغنينا عن نقل كلمات أصحاب المعاجم كالعين للخليل ،
__________________
(١) الزخرف : ٣٢.