شعوراً بربّه غير ما يعتقد بوجوده من طريق الفكر واستخدام الدليل ، بل يجده وجداناً من غير أن يحجبه عنه حاجب ولا يجرّه إلى الغفلة عنه اشتغاله بنفسه ومعاصيه الّتي اكتسبها ، والذي يتجلّى من كلامه سبحانه أنّ هذا العلم المسمّى بالرؤية واللقاء يتمّ للصالحين من عباد الله يوم القيامة ، فهناك مواطن التشرّف بهذا التشريف ، وأمّا في هذه الدنيا والإنسان مشتغل ببدنه ومنغمر في غمرات حوائجه الطبيعية وهو سالك لطريق اللقاء فهو بعدُ في طريق هذا العلم لم يتمّ له حتّى يلقى ربّه ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (١).
فهذا هو العلم الضروري الخاصّ الّذي أثبته الله تعالى لنفسه وسمّاه رؤية ولقاء ، ولا يهمّنا البحث عن أنّها على نحو الحقيقة أو المجاز ، والقرآن أوّل كاشف عن هذه الحقيقة على هذا الوجه البديع ، فالكتب السماوية السابقة ـ على ما بأيدينا ـ ساكتة عن إثبات هذا النوع من العلم بالله ، والأبحاث المأثورة عن الفلاسفة الباحثين تخلو عن هذه المسائل ؛ فإنّ العلم الحضوري عندهم كان منحصراً في علم الشيء بنفسه حتّى يكشف عنه في الإسلام ، فللقرآن المنّة في تنقيح المعارف الإلهية (٢).
هذا التفسير للرؤية القلبية ممّا أفاده أُستاذُنا العلّامة الطباطبائي رحمهالله ، ولكن ربّما يفسّر بالعلم القطعي الضروري الّذي لا يتردّد إليه الريب ، كما سننقله عن الشيخ الصدوق توضيحاً للروايات الصادرة عن أئمة أهل البيت حول الرؤية القلبية ، فإليك ما روي عنهم ـ صلوات الله عليهم ـ :
__________________
(١) الانشقاق : ٦.
(٢) الطباطبائي ، الميزان ٨ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣.