لكلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه ، وسياق الآية يدلّ على أنّ المراد من الزيادة هو الزيادة على الاستحقاق ، فقد جعل سبحانه الجزاء حقّاً للعامل ـ لكن بفضله وكرمه ـ وقال : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (١) ، ثمّ جعل المضاعف منه حقّاً للعامل أيضاً ، وهذا أيضاً بكرمه وفضله ، وقال : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (٢). وبالنظر إلى هذه الآيات يتجلّى مفاد قوله سبحانه (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) استحقاقاً للجزاء والمثوبة الحسنى (وَزِيادَةٌ) على قدر الاستحقاق ، قال سبحانه : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) (٣).
وبغضّ النظر عمّا ذكرنا من تفسير الزيادةِ على الاستحقاق فإنّ ما بعدَ الآية قرينة واضحة على أنّ المراد من «زيادة» هو الزيادة على الاستحقاق ، ومفاد الآيتين هو تعلّق مشيئته سبحانه على جزاء المحسنين بأكثر من الاستحقاق وجزاء المسيئين بقدر جرائمهم ، قال سبحانه بعد هذه الآية : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٤).
أفبعد هذا السياق الرافع للإبهام يصحُّ لكاتب عربي واعٍ أنْ يستدلّ بالآية على الرؤية!!
وبذلك يظهر عدم دلالة ما يشابه هذه الآية مدلولاً على مدّعاهم ، قال سبحانه : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ* لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا
__________________
(١) آل عمران : ١٩٩.
(٢) الأنعام : ١٦٠.
(٣) النساء : ١٧٤.
(٤) يونس : ٢٧.