سَيَهْدِينِ) (١) ، ففرّق الله عزوجل بين الإدراك والرؤية فرقاً جليّاً ؛ لأنّه تعالى أثبت الرؤية بقوله : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) ، وأخبر تعالى بأنّه رأى بعضهم بعضاً فصحّت منهم الرؤية لبني إسرائيل ، ولكن نفى الله الإدراك بقول موسى عليهالسلام لهم : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) ، فأخبر تعالى أنّه رأى أصحاب فرعون بني إسرائيل ولم يدركوهم ، ولا شكّ في أنّ ما نفاه الله تعالى غير الّذي أثبته ، فالإدراك غير الرؤية والحجّة لقولنا قول الله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢) (٣).
يلاحظ عليه : أنّ الشبهة تعرب عن أنّ صاحبها لم يقف على كيفية الاستدلال بالآية على نفي الرؤية ، فزعم أنّ أساسه هو كون الإدراك في اللغة بمعنى الرؤية ، فردّ عليه بأنّه ليس بمعنى الرؤية ، بشهادة أنّه سبحانه جمع في الآية بين إثبات الرؤية ونفي الدرك ، ولكنّه غفل عن أنّ مبدأ الاستدلال ليس ذلك ، وقد قلنا سابقاً : إنّ الإدراك في اللغة بمعنى اللحوق والوصول وليس بمعنى الرؤية ابتداءً ، وإنما يتعيّن في النظر والرؤية حسب المتعلّق ، ولأجل ذلك لو جرّد عن المتعلّق ـ كما في الآية ـ لا يكون بمعنى الرؤية ، ولذلك جمع فيها بين الرؤية ونفي الدرك ؛ لأنّ الدرك هناك بحكم عدم ذكر المتعلّق كالبصر ، بمعنى اللحوق والوصول ، فقد وقع الترائي بين الفريقين ، ورأى فرعون وأصحابه بني إسرائيل ، ولكن لم يدركوهم أي لم يلحقوهم.
وعلى ضوء ذلك إذا جرّد عن المتعلّق مثل البصر والسمع يكون بمعنى اللحوق ، وإذا اقترن بمتعلّق مثل البصر يتعيّن في النظر والرؤية ، لكن على وجه الإطلاق من غير تقيّد بالإحاطة.
__________________
(١) الشعراء : ٦١ ـ ٦٢.
(٢) القيامة : ٢٢ ـ ٢٣.
(٣) ابن حزم ، الفصل في الملل والنحل ٣ : ٣٢ ؛ ولاحظ : ابن قيم الجوزية ، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح : ص ٢٢٩.