يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (١).
يقول الإمام عليّ عليهالسلام : «الحمد لله الذي لا يبلُغُ مدحتهُ القائلون ، ولا يُحصي نعماءه العادّون ، ولا يؤدّي حقّه المجتهدون ، الذي لا يُدركه بُعد الهِمم ، ولا ينالُه غوصُ الفِطَن» (٢).
فهل يحتمل الرازي في هذه الآيات والجمل سلب العموم وأنّه سبحانه لا يحبّ جميع المعتدين والكافرين والظالمين ، ولكن يحبّ بعضَ المعتدين والكافرين والظالمين ، أو أنّ بعض القائلين يبلغون مدحته ويحصون نعماءه.
وهذا دليل على أنّ الموقف المسبق للرازي هو الّذي دفعه لدراسة القرآن لأجل دعمه ، وهو آفة الفهم الصحيح من الكتاب.
الشبهة الثالثة : الإدراك هو الإحاطة
إن هذه الشبهة ذكرها ابن حزم في فِصَله ، والرازي في مفاتيح الغيب وابن قيّم في كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (٣) ، وقد أسهبوا الكلام في تطوير الشبهة ، ولا يسع المقام لنقل عباراتهم كلها ، وإنّما نشير إلى المهم من كلماتهم.
وبما أن الأساس لكلام هؤلاء هو ابن حزم الظاهري نذكر نصّ كلامه أوّلاً.
قال : إنّ الإدراك في اللغة يفيد معنى زائداً عن النظر ، وهو بمعنى الإحاطة ، وليس هذا المعنى في النظر والرؤية ، فالإدراك (الإحاطة) منتفٍ عن الله تعالى على كلّ حال في الدنيا والآخرة ، والدليل على ذلك قوله سبحانه : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي
__________________
(١) آل عمران : ٥٧.
(٢) نهج البلاغة ، الخطبة الأُولى.
(٣) وقبلهم الطبري كما سيوافيك نصّه في خاتمة المطاف.