فإنّ المتأمل في هذه النصوص يظهر له وبوضوح أنّ فكرة التشيّع لعليّ ليست وليدة هذا الظرف المعقّد ، وثمرة اعتلاجه ، ونقيض تصوّره ، بقدر ما تؤكّد على أنّ هذه الفكرة كانت مختمرة في أذهانهم ومركوزة في عقولهم ولسنين طوال ، فلمّا رأت هذه الجماعة انصراف الأمر إلى جهة لم تكن في حساباتهم ولا في حدود تصوّراتهم ، وانحساره عمّا كان معهوداً به إليهم ، عمدوا إلى التمسّك به بالاجتماع في بيت عليّ والإعلان صراحة عن موقفهم ومعتقدهم.
نعم إنّ من غير المتوقع والمعهود أن يجتمع رأي هذه الجماعة ـ التي تؤلف خلاصة غنيّة من متقدّمي الصحابة ـ على هذا الأمر في تلك اللحظات المضطربة والمليئة بالمفاجئات ، وأن يترتّب عليه موقف موحّد ثابت ، فهذا الأمر يدلّ بوضوح على أنّه ما كان وليد يومه ونتاج مخاضه.
وممّا يؤكد ذلك ويقوي أركانه ما نقلته جميع مصادر الحديث المختلفة من نداءات رسول الله صلىاللهعليهوآله وتوصياته بحقّ عليّ وعترته وشيعته في أكثر من مناسبة ومكان ، وما كان يشير إليه صلىاللهعليهوآله من فضل شيعة عليّ ومكانتهم ، والتأكيد على وجوب ملازمتهم ، وفي هذا دلالة لا تقبل النقض على أنّ التشيّع ما كان وليد السقيفة أو ردّة رافضة آنية لمجريات أحداثها ، بل إنّ هذا الوجود يمتد عمقاً مع نشأة الإسلام واشتداد عوده في زمن النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآله وحياته المباركة المقدّسة.
الفرضيّة الثانية : التشيّع صنيع عبد الله بن سبأ
لنقرأ ما كتبه الطبري حول هذا الوهم المصطنع :
قال : «إنّ يهودياً باسم عبد الله بن سبأ المكنّى بابن السوداء في صنعاء أظهر الإسلام في عصر عثمان ، واندسّ بين المسلمين ، وأخذ يتنقّل في حواضرهم