حضورها (١). هذا كلامه في كتاب الأربعين.
ويقول في تفسيره : ألم تعلموا أنّ ذاته تعالى مخالفة لسائر الذوات ، ولا يلزم من ثبوت حكم في شيء ثبوت مثل ذلك الحكم فيما يخالفه ، والعجب أنّ القائلين بالامتناع يدّعون الفطنة والكياسة ولم يتنبّه أحد لهذا السؤال ، ولم يخطر بباله ركاكة هذا الكلام (٢).
يلاحظ عليه : أنّ الرازي غفل عن أنّ الرؤية من الأُمور الإضافية القائمة بالرائي والمرئي ، فالتقابل من لوازم الرؤية بما هي هي ، فاختلاف المرئي في الماهيات كاختلاف الرائي في كونه حيواناً أو إنساناً لا مدخليّة له في هذا الموضوع ، فافتراض نفس الرؤية وتعلّقها بالشيء وغضّ النظر عن الرائي وخصوصيات المرئي يجرّنا إلى القول : بأنّ الرؤية رهن التقابل أو حكمه ، وذلك لأنّ الموضوع لحكم العقل من لزوم المقابلة في الرؤية هو نفسها بما هي هي ، والموضوع متحقّق في الشاهد والغائب ، والمادّي والمجرّد ، فاحتمال انتقاض الحكم باختلاف المرئي يناقض ما حكم به بأنّ الرؤية بما هي هي لا تنفكّ عن التقابل ، فإنّه أشبه بقول القائل : إنّ نتيجة ٢+ ٢ / ٤ ، لكن إذا كان المعدود مادّيّاً لا مجرّداً ، ويردّ بأنّ الموضوع نفس اجتماع العددين وهو متحقّق في كلتا الصورتين.
ثمّ ما ذا يقصد (الرازي) من الغائب؟ هل يقصد الموجود المجرّد عن المادّة ولوازمها؟ فبداهة العقل تحكم بأنّ المنزّه عن الجسم والجسمانية والجهة والمكان لا يتصوّر أنْ يقع طرفاً للمقابلة ، وإنْ أراد منه الغائب عن الأبصار مع احتمال كونه جسماً أو ذا جهة ، فذلك إبطال للعقيدة الإسلامية الغرّاء التي تبنّتها الأشاعرة وكذلك الرازي نفسه في غير واحد من كتبه الكلامية وفي غير موضع في تفسيره.
__________________
(١) الرازي ، الأربعون : ١٩٠ ـ ١٩١ ، وانظر أيضاً : ٢١٧ ، ٢١٨ ، ٣١٣.
(٢) الرازي ، مفاتيح الغيب ١٣ : ١٣٠.