ولم تكن رؤية الله بأقلّ مما سبق في تركيزهم عليها.
فما ترى في كتب الحديث قديماً وحديثاً من الأخبار الكثيرة حول التجسيم ، والتشبيه ، والقدر السالب للاختيار والرؤية ونسبة المعاصي إلى الأنبياء ، فكلّ ذلك من آفات المستسلمة من اليهود والنصارى. وقد عدّها المسلمون حقائق ثابتة وقصصاً صادقة فتلقّوها بقبول حسن ونشرها السلف بين الخلف ، ودام الأمر على ذلك.
وأهمّ العوامل التي فسحت المجال للأحبار والرهبان لنشر ما في العهدين بين المسلمين ، النهي عن تدوين حديث الرسول صلىاللهعليهوآله ونشره ونقله والتحدّث به طيلة أكثر من مائة سنة ، فأوجد الفراغ الّذي خلفه هذا العمل أرضية مناسبة لظهور بدع يهودية ونصرانية وسخافات مسيحية وأساطير يهودية ، خصوصاً من قبل الكهنة والرهبان.
فقد كان التحدّث بحديث الرسول صلىاللهعليهوآله أمراً مكروهاً ، بل محظوراً من قبل الخلفاء إلى عصر عمر بن عبد العزيز (٦١ ـ ١٠١ ه) ، بل إلى عصر المنصور العباسي (١٤٣ ه) ، ولكن كان المجال للتحدّث بالأساطير من قبل هؤلاء أمراً مسموحاً به ؛ فهذا هو تميم بن أوس الداري من رواة الأساطير ، وقد أسلم سنة تسع للهجرة ، وهو أول من قصّ بين المسلمين ، واستأذن عمر أن يقصّ على الناس قائماً ، فأذن له ، وكان يسكن المدينة ثمّ انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان (١). فسمحت الظروف لمثل هذا الكتابيّ أن يتحدّث بما تعلّم في حياته السابقة ولكن منع من أراد التحدّث بحديث الرسول ، لذا كان المجال خصباً لنشر الأساطير والعقائد الخرافية.
يقول الشهرستاني : وضع كثير من اليهود الذين اعتنقوا الإسلام أحاديثَ
__________________
(١) ابن عبد البر ، الاستيعاب في هامش الإصابة ؛ وابن حجر ، الإصابة ١ : ١٨٩ ؛ ابن الأثير ، أُسد الغابة ١ : ٢١٥ ؛ المتقي الهندي ، كنز العمال ١ : ٢٨١ / ٢٩٤٤٨.