فالقرآن الكريم لم يأت لنا أبداً بشيء يُفصِحُ عن ذات الله تعالى من حيث الحقيقة والكُنْه ، وإنّما هو يُلفِتُ دائماً إلى آثار الله في الخلق والتصريف (١).
٢ ـ الإذعان في العقيدة والتعبّد في الأحكام
وهناك أمرٌ ثانٍ نلفت إليه نظر القارئ ، وهو الفرق الواضح بين العقيدة والأحكام الشرعية العملية ؛ فإنّ المطلوب في الأُولى هو الاعتقاد الجازم ، ومن المعلوم أنّ الإذعان بشيء متوقّف على ثبوت مقدّمات بديهية أو نظرية منتهية إليه حتّى يستتبعها اليقين والإذعان ، وهذا بخلاف الأحكام الشرعية ؛ فإنّ المطلوب فيها هو العمل وتطبيقها في مجالات الحياة ، ولا تتوقّف على القطع بصدورها عن الشارع ، وهذا الفرق بين العقائد والأحكام يجرّنا إلى التأكّد من صحّة الدليل وإتقانه أو ضعفه وبطلانه في مجال العقائد أكثر من الأحكام ، ولذلك نرى أئمة الفقه يعملون بأخبار الآحاد في مجال الأحكام والفروع العملية ولا يشترطون إفادتها القطعَ أو اليقينَ ، وهذا بخلاف العقائد التي يُفترض فيها اطمئنان القلب ورسوخ الفكرة في القلب والنفس ، فيرفضون خبر الآحاد في ذلك المجال ويشترطون تواتر النص أو استفاضته إلى حدٍّ يورث العلم.
٣ ـ خضوعها للبرهان العقلى
وهناك أمر ثالث وراء هذين الأمرين ، وهو أنه لا يمكن لأيّ باحث إسلامي أن يرفض العقل ويكتفي بالنص إذا أراد أن يعتمد الأُسلوب العلمي في مجال
__________________
(١) القاهرة ، دار التقريب بين المذاهب الإسلامية ، مجلة رسالة الإسلام ، العدد ٤٩ : ٥٠ ـ ٥١.