تحدّث مريم البتول وامرأة الخليل ، فما كان يخبرون به من الملاحم أو يجيبون عن الأسئلة فالكلّ ممّا كان يلقى في روعهم.
وهذا النوع من المصدر وإن كان ثقيلاً على من لم يعرف مقاماتهم ، إلّا أنّه صحيح لمن درس حياتهم ، ووقف على أحوالهم. ولأجل إيقاف القارئ على أنّ (المحدَّث) أمر ممّا اتّفق عليه الأعلام نبحث عنه على وجه الإيجاز :
المُحَدّث في الإسلام :
المحدَّث ـ بصيغة المفعول ـ : مَن تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة ، أو يلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره.
المحدّث بهذا المعنى ممن اتفق عليه الفريقان : الشيعة والسنّة ، ولو كان هناك خلاف فإنّما هو في مصداقه.
وقبل ذلك نجد المحدّث في الأُمم السالفة ؛ فهذا صاحب موسى كان محدّثاً ، فقد أخبره عن مصير السفينة والغلام والجدار على وجه جاء في سورة الكهف (١) فهو لم يكن نبيّاً ، ولكنّه كان عارفاً بما سيحدث ، وقد عرفه بإحدى الطرق المذكورة.
وهذه مريم البتول ، كانت الملائكة تكلّمها وتحدّثها ولم تكن نبيّة ، قال سبحانه :
(وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) (٢).
وقال سبحانه : (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ
__________________
(١) من الآية : ٦٠ ـ ٨٢.
(٢) آل عمران : ٤٢.