والتخلّص بصورة خاصّة من الانضواء تحت لواء الإسلام ، مرة بافتعال أُكذوبة «الشعب المختار» الذي لا ينبغي أن يخضع لأيّ تكليف ، ومرّة أُخرى بافتعال خرافة «الأسماء والانتساب» وادّعاء النجاة بسبب ذلك ، والحصول على مغفرة الله وجنّته وثوابه ، ومرّة ثالثة بتخصيص «الهداية» وحصرها في الانتساب إلى إحدى الطائفتين بينما نجد أنّه كلّما مرّ القرآن على ذكر هذه المزاعم الخرافية أعلن بكلّ صراحة وتأكيد : أنّه لا فرق بين إنسان وآخر إلّا بتقوى الله ؛ فإنّ أكرمكم عند الله أتقاكم.
وأمّا النجاة والجنّة فمن نصيب من يؤمن بالله ، ويعمل بأوامره دون ما نقصان لا غير ، وهو بهذا يقصد تفنيد مزاعم اليهود والنصارى الجوفاء.
بهذا البحث حول الآيات الثلاث (المذكورة في مطلع البحث) نكشف بطلان الرأي القائل بأن الإسلام أقرّ ـ في هذه الآيات ـ مبدأ «الوفاق الإسلامي المسيحي واليهودي» تمهيداً لإنكار عالمية الرسالة الإسلامية وخاتميتها ، بينما نجد أنّ غاية ما يتوخّاه القرآن ـ في هذه الآيات ـ إنما هو فقط نسف وإبطال عقيدة اليهود والنصارى ، وليعلن مكانه بأنّ النجاة إنما هي بالإيمان الصادق والعمل الصالح.
فلا استعلاء ولا تفوّق لطائفة على غيرها من البشر مطلقاً ، كما أنّ هذا التشبّث الفارغ بالأسماء والدعاوى ليس إلّا من نتائج العناد والاستكبار عن الحقّ.
فليست الأسماء ولا الانتساب هي التي تنجي أحداً في العالم الآخر ، وإنّما هو الإيمان والعمل الصالح ، وهذا الباب مفتوح في وجه كلّ إنسان يهودياً كان أو نصرانياً ، مجوسياً أو غيرهم.
ويوضّح المراد من هذه الآية قوله سبحانه : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (١).
__________________
(١) المائدة : ٦٥.