تحوّلت فيه الإمامة ملكاً كسروياً ، والخلافة غصباً قيصرياً ، ثمّ ما زالت معاصيه من جنس ما حكيناه ، وعلى منازل ما رتّبناه ، حتّى ردّ قضية رسول الله صلىاللهعليهوآله ردّاً مكشوفاً وجحد حكمه جحداً ظاهراً (١) ، فخرج بذلك من حكم الفجّار إلى حكم الكفّار.
أو ليس قتل حجر بن عدي ، وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر ، وبيعة يزيد الخليع ، والاستئثار بالفيء ، واختيار الولاة على الهوى ، وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة ، من جنس الأحكام المنصوصة والشرائع المشهورة ، والسنن المنصوبة ، وسواء جحد الكتاب ، وردّ السنّة إذا كانت في شهرة الكتاب وظهوره ، إلّا أنّ أحدهما أعظم وعقاب الآخرة عليه أشدّ (٢).
وقد أربت نابتة عصرنا ومبدعة دهرنا فقالت : لا تسبّوه ؛ فإنّ له صحبة ، وسبّ معاوية بدعة ، ومن بغضه فقد خالف السنّة ، فزعمت أنّ من السنّة ترك البراءة ممّن جحد السنّة (٣).
٢ ـ عمرو بن العاص ، الذي ألَب على عثمان وسرّ بقتله ، ثمّ اجتمع مع معاوية يطالب بدمه عليّ بن أبي طالب عليهالسلام الذي كان من أشدّ المدافعين عنه ، وأعطفهم عليه يوم أمر طلحة بمنع الماء عنه وتعجيل قتله. كلّ ذلك كان من ابن العاص حبّاً بخراج مصر ، لا بعثمان ولا بمعاوية أيضاً ، والعجب أنّ الرسول صلىاللهعليهوآله تنبّأ بذلك وصرّح بأنّهما لا يجتمعان إلّا على غدر (٤).
٣ ـ يزيد الخليع المستهتر خليفة معاوية الذي ولي ثلاث سنين بعده ، فقتل في
__________________
(١) إشارة إلى استلحاق زياد بن أبيه وليد فراش غير أبي سفيان.
(٢) أي ردّ السنّة مثل ردّ الكتاب إذا بلغت السنّة في الشهرة شهرة الكتاب.
(٣) الجاحظ : رسائل الجاحظ : ٢٩٤ طبع مصر.
(٤) ابن حجر ، تطهير الجنان المطبوع على هامش الصواعق المحرقة : ١٠٢.