المؤكّد هو أنّ هذه الرواية موضوعة عن لسان الإمام ليثيروا الشكّ بين أتباعه وشيعته. ولا نعلّق على احتمال التقديم والتأخير شيئاً ، سوى أنّه يجعل معنى الآية شيئاً مبهماً في المورد الذي يطلب فيه الوضوح ؛ إذ هي المرجع للقروي والبدوي ، وللحاضر عصر النزول ، والغائب عنه ، فيجب أن يكون على نسق ينتقل منه إلى المراد ، ثمّ إنّه أيّ ضرورة اقتضت هذا التقديم والتأخير ، مع إنّه كان من الممكن ذكر الأرجل بعد الأيدي من دون تأخير؟ ولو كان الدافع إلى التأخير هو بيان الترتيب ، وإنّ غسل الأرجل بعد مسح الرأس ، فكان من الممكن أن يُذكر فعله ويقال : (فامسَحُوا بِرُؤُسِكُم واغْسلوا أرجلكم إلى الكعبين). كلّ ذلك يعرب عن أنّ هذه محاولات فاشلة لتصحيح الاجتهاد تجاه النصّ ، وما عليه أئمّة أهل البيت من الاتّفاق على المسح.
٣ ـ ما روي عن ابن عمر في الصحيحين قال : تخلّف عنّا رسول الله صلىاللهعليهوآله في سفره ، فأدركنا وقد أرهقنا العصر ، وجعلنا نتوضّأ ونمسح على أرجلنا ، قال :
فنادى بأعلى صوته : «ويل للأعقاب من النار» ـ مرتين أو ثلاثاً ـ (١).
ويردّ هذا الاستدلال : أنّ هذه الرواية على تعيّن المسح أدلّ من دلالتها على غسل الرجلين ؛ فإنّها صريحة في أنّ الصحابة يمسحون ، وهذا دليل على أنّ المعروف عندهم هو المسح ، وما ذكره البخاري من أنّ الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على بعض الرجل ، اجتهاد منه ، وهو حجّة عليه لا على غيره ، فكيف يمكن أن يخفى على ابن عمر حكم الرجلين حتّى يمسح رجليه عدّة سنين إلى أن ينكر عليه النبيّ المسح؟!
على أنّ للرواية معنى آخر تؤيّده بعض المأثورات ، فقد روي : أنّ قوماً من أجلاف العرب ، كانوا يبولون وهم قيام ، فيتشرشر البول على أعقابهم وأرجلهم
__________________
(١) صحيح البخاري ج ١ كتاب العلم ص ١٨ باب من رفع صوته ، الحديث ١.