فإذا كان هذا معنى التقية ومفهومها ، وكانت هذه غايتها وهدفها ، فهو أمر فطري يسوق الإنسان إليه قبل كلّ شيء عقلُه ولبُّه ، وتدعوه إليه فطرته ، ولأجل ذلك يستعملها كلّ من ابتُلي بالملوك والساسة الذين لا يحترمون شيئاً سوى رأيهم وفكرتهم ومطامعهم وسلطتهم ولا يتردّدون عن التنكيل بكلّ من يعارضهم في ذلك ، من غير فرق بين المسلم ـ شيعياً كان أم سنيّاً ـ وغيره ، ومن هنا تظهر جدوى التقية وعمق فائدتها.
ولأجل دعم هذا الأصل الحيويّ ندرس دليله من القرآن والسنّة.
دليلها في القرآن والسنّة
شرّعت التقية بنصّ القرآن الكريم حيث وردت جملة من الآيات الكريمة (١) سنحاول استعراضها في الصفحات التالية :
الآية الأُولى :
قال سبحانه : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٢)
ترى أنّه سبحانه يجوّز إظهار الكفر كرهاً ومجاراةً للكافرين خوفاً منهم ، بشرط أن يكون القلب مطمئناً بالإيمان ، وصرّح بذلك لفيف من المفسّرين القدامى والجدد ، سنحاول أن نستعرض كلمات البعض منهم تجنّباً عن الإطالة والإسهاب ، ولمن يبتغي المزيد فعليه بمراجعة كتب التفسير المختلفة :
__________________
(١) غافر : ٢٨ و ٤٥ ، القصص : ٢٠ وستوافيك نصوص الآيات في ثنايا البحث.
(٢) النحل : ١٠٦.