لمّا خلع سبحانه ثوب الإمامة على خليله ، ونصبه إماماً للناس ، ودعا إبراهيمُ أن يجعل من ذرّيته إماماً ، أُجيب بأنّ الإمامة منصب إلهيّ لا يناله الظالمون ؛ لأنّ الإمام هو المطاع بين الناس ، المتصرّف في الأموال والنفوس ، فيجب أن يكون على الصراط السويّ والظالم المتجاوز عن الحدّ لا يصلح لهذا المنصب.
كما أنّ الظالم الناكث لعهد الله ، والناقض لقوانينه وحدوده ، على شفا جرف هارٍ ، لا يؤتمن عليه ولا تلقى إليه مقاليد الخلافة ؛ لأنّه على مقربة من الخيانة والتعدّي ، وعلى استعداد لأن يقع أداة للجائرين ، فكيف يصحّ في منطق العقل أن يكون إماماً مطاعاً ، نافذ القول ، مشروع التصرّف ، وعلى ذلك ؛ فكلّ من ارتكب ظلماً ، وتجاوز حدّاً في يوم من أيّام عمره ، أو عبد صنماً ، أو لاذ إلى وثن ـ وبالجملة ارتكب ما هو حرام فضلاً عمّا هو شرك وكفر ـ ينادى من فوق العرش في حقّه : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) من غير فرق بين صلاح حالهم بعد تلك الفترة ، أو البقاء على ما كانوا عليه.
نعم اعترض «الجصّاص» على هذا الاستدلال وقال : «إنّ الآية إنّما تشمل من كان مقيماً على الظلم وأمّا التائب منه فلا يتعلّق به الحكم ؛ لأنّ الحكم إذا كان معلّقاً على صفة ، وزالت تلك الصفة ، زال الحكم. ألا ترى أنّ قوله : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (١) إنّما ينهى عن الركون إليهم ما أقاموا على الظلم ، فقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) لم ينف به العهد عمّن تاب عن ظلمه ؛ لأنّه في هذه الحالة لا يسمّى ظالماً ، كما لا يسمّى من تاب من الكفر كافراً» (٢).
إلّا أنّه يلاحظ عليه : أنّ قوله : «الحكم يدور مدار وجود الموضوع» ليس
__________________
(١) هود : ١١٣.
(٢) تفسير آيات الأحكام ١ : ٧٢.