يكونوا حاكمين على الله سبحانه.
ثمّ إنّ اختلاف المسلمين في كون النصب فرضاً على الله أو على الأُمّة ينجم عن اختلافهم في حقيقة الخلافة والإمامة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله. فمن ينظر إلى الإمام بوصفه رئيس دولة ليس له وظيفة إلّا تأمين الطرق والسبل ، وتوفير الأرزاق ، وإجراء الحدود ، والجهاد في سبيل الله ، إلى غير ذلك ممّا يقوم به رؤساء الدول بأشكالها المختلفة ، فقد قال بوجوب نصبه على الأُمّة ؛ إذ لا يشترط فيه من المواصفات إلّا الكفاءة والمقدرة على تدبير الأُمور ، وهذا ما يمكن أن تقوم به الأُمّة الإسلامية.
وأمّا على القول بأنّ الإمامة استمرار لوظائف الرسالة (لا لنفس الرسالة فإنّ الرسالة والنبوّة مختومتان بالتحاق النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله بالرفيق الأعلى) فمن المتّفق عليه أنّ تعهّد هذا الأمر يتوقّف على توفّر صلاحيات عالية لا ينالها الفرد إلّا إذا حظي بعناية إلهية خاصّة ، فيخلف النبيّ في علمه بالأُصول والفروع ، وفي سدّ جميع الفراغات الحاصلة بموته ، ومن المعلوم أنّ هذا الأمر لا تتعرّف عليه الأُمّة إلّا عن طريق الرسول ، ولا يتوفّر وجوده إلّا بتربية غيبيَّة وعناية سماوية خاصّة.
وهكذا فلا يخفى أنّ كون القيادة الإسلامية بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله بيد الله أو بيد الأُمّة ، أو أنّ التعيين هل هو واجب عليه سبحانه أو عليهم ، ينجم عن الاختلاف في تفسير ماهية الخلافة.
فمن جعلها سياسة زمنية وقتية يشغلها فرد من الأُمّة بأحد الطرق ، قال في حقّه : «لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال وضرب الأبشار ، وتناول النفوس المحرمة ، وتضييع الحقوق ، وتعطيل الحدود ، ولا يجب الخروج عليه ، بل يجب وعظه وتخويفه ، وترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله» (١).
__________________
(١) التمهيد للقاضي أبي بكر الباقلاني (ت ٤٠٣ ه) : ١٨١.