متخاذل فاقد للتصميم والحمية ، أو منتظر لما تؤول إليه الأُمور ، أو ناصر التحق بالحسين في أحلك الظروف. هؤلاء هم الشيعة.
وأمّا الذين شاركوا في قتل الحسين فلم يكونوا من الشيعة أبداً ، بل كانوا أتباع الأُمويين والمنضوين تحت راياتهم. فلما قتل الحسين أثار قتله شجون الشيعة ، وبقوا يتحيّنون الفرص للانقضاض على الحكم الأُموي الفاسد وأتباعه ، حتّى تهيّأت الفرصة عند خروج المختار من سجنه ، فالتفوا حوله في ثورة كبيرة اقتلعت جذور الامويين واقتصّت من أعوانهم قتلة الحسين وأهل بيته وأصحابه.
وقد حاول الأُمويون جعل العراق أُموياً ، وبذلوا جهوداً حثيثة في سبيل هذا الأمر ، إلّا أنّ جهودهم ذهبت أدراج الرياح ، وبقي العراق هاشمياً وعلوياً ، حتّى أنّ دعوة العباسيين نجحت في بداية الأمر في العراق في ظلّ طلب ثأر الحسين وأهل بيته ، وكانت الدعوة للرضا من آل محمّد صلىاللهعليهوآله.
لقد تبلور التشيّع بعد حادثة الطفّ بقليل واتّسع نطاقه وصار العراق مركزه ، وكانت القوافل من أنحاء العراق وغيره من بلاد المسلمين تؤمّ قبر الحسين وأصحابه ، فصارت مشاهد أهل البيت فيها معمورة بالزائرين والمجاورين ، وكانت المآتم تقام في حواضرها تخليداً لذكرى استشهاد الإمام الحسين المفجع ، واتّخذت الشيعة قرب مشاهد أئمّتهم ، حوزات علمية ومعاهد فكرية ، فازدهر العراق بعمالقة الفكر ، وأساتذة الفقه ، وأساطين الكلام ، وأعان على نشر التشيّع ونموّه في العراق نشوء دول وأمارات للشيعة في القرن الرابع وما بعده.
يقول الشيخ المظفّر (١) : وساعد على نمو التشيّع وانتشاره في العراق ، أن تكوّنت من الشيعة فيه سلطنات دول وأمارات كسلطنة آل بويه ، وإمارة بني مزيد في الحلّة
__________________
(١) انظر : محمد حسين المظفر ، تاريخ الشيعة : ٦٩ ـ ٧١ و ١١٠ ـ ١١١.