والسخط؟ قال صلىاللهعليهوآله : «نعم ، فإنّه لا ينبغي لي أن أقول في ذلك إلّا حقّاً» (١).
إنّ الله سبحانه أمر بكتابة الدَّين حفظاً له ، واحتياطاً عليه ، وإشفاقاً من دخول الريب فيه ، فالعلم الذي حفظه أصعب من حفظ الدَّين أحرى بأن يكتب ويحفظ من دخول الريب والشكّ فيه (٢).
فإذا كان النبيّ صلىاللهعليهوآله لا ينطق عن الهوى وإنّما ينطق عن الوحي الذي يوحى إليه (٣) فيجب حفظ أقواله وأفعاله أُسوة بكتاب الله المجيد ، حتّى لا يبقى المسلم في حيرة من أمره ، ويستغني عن المقاييس الظنّية والاستنباطات الذوقية.
وبالرغم من وضوح الأمر وأهميته القصوى إلّا أنّ الخلافة الإسلامية باجتهاداتها حالت دون ذلك ، بل وحاسبت عليه حتّى أنّ الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب قال لأبي ذر وعبد الله بن مسعود وأبي الدرداء : «ما هذا الحديث الذي تفشون عن محمّد؟» (٤).
ولقد أضحى عمل الخليفة سنّة فاتّبعه عثمان ومشى على خطاه معاوية ، فأصبح ترك كتابة الحديث سنّة إسلامية ، وعدّت الكتابة شيئاً منكراً مخالفاً لها.
إنّ الرزيّة الكبرى هي المنع عن التحدّث بحديث رسول الله صلىاللهعليهوآله وكتابته وتدوينه ، وفسح المجال في نفس الوقت للرهبان والأحبار للتحدّث بما عندهم من صحيح وباطل ، ولقد أذن عمر لتميم الداري النصراني الذي استسلم في عام تسعة من الهجرة أن يقصّ (٥).
__________________
(١) مسند أحمد ٢ : ٢٠٧.
(٢) الخطيب البغدادي ، تقييد العلم : ٧٠.
(٣) اقتباس من قوله سبحانه : ما ضَلَّ صاحبُكُم وما غوى* وما ينطقُ عن الهوى* إنْ هو إلّا وحيٌ يُوحى ، النجم : ٢ ـ ٤.
(٤) كنز العمال ١٠ : ٢٩٣ / ٢٩٤٧٩. وفيه : ما هذه الأحاديث التي قد أفشيتم عن رسول الله في الآفاق.
(٥) كنز العمال ١٠ : ٢٨١.