كما أنّ الكلام عن أخلاقه وأطواره ، ومناقبه وفضائله ، وكرمه وسخائه ، وهيبته وعظمته ، ومجابهته للخلفاء العباسيين بكل جرأة وعزّة وما نقل عنه من الحكم والمواعظ والآداب ، يحتاج إلى تأليف مفرد وكفانا في ذلك علماؤنا الأبرار ، بيد أنّا نشير إلى لمحة من علومه.
١ ـ لقد شغلت الحروف المقطّعة بال المفسّرين فضربوا يميناً وشمالاً ، وقد أنهى الرازي أقوالهم فيها في أوائل تفسيره الكبير إلى قرابة عشرين قولاً ، ولكن الإمام عليهالسلام عالج تلك المعضلة بأحسن الوجوه وأقربها للطبع ، فقال : «كذبت قريش واليهود بالقرآن ، وقالوا سحر مبين تقوّله ، فقال الله : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ) أي : يا محمّد ، هذا الكتاب الذي نزّلناه عليك هو الحروف المقطّعة التي منها «ألف» ، «لام» ، «ميم» وهو بلغتكم وحروف هجائكم ، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين ، واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم ، ثمّ بيّن أنّه لا يقدرون عليه بقوله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١)» (٢).
وقد روي هذا المعنى عن أبيه الإمام الهادي عليهالسلام (٣).
٢ ـ كان أهل الشغب والجدل يلقون حبال الشك في طريق المسلمين فيقولون إنّكم تقولون في صلواتكم : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أو لستم فيه؟ فما معنى هذه الدعوة؟ أو أنّكم متنكّبون عنه فتدعون ليهديكم إليه؟ ففسّر الإمام الآية قاطعاً لشغبهم فقال : «أدِم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيّامنا حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمالنا».
__________________
(١) الإسراء : ٨٨.
(٢) الصدوق ، معاني الأخبار : ص ٢٤ ، وللحديث ذيل فمن أراد فليرجع إلى الكتاب.
(٣) الكليني : الكافي ج ١ كتاب العقل والجهل الحديث : ص ٢٠ ، ٢٤ ـ ٢٥.