استقدامه إلى بغداد
لمّا توفّي الرضا عليهالسلام كان الإمام الجواد في المدينة ، وقام بأمر الإمامة بوصية من أبيه وله من العمر تسع أو عشر سنين ، وكان المأمون قد مارس معه نفس السياسة التي مارسها مع أبيه عليهالسلام خلافاً لأسلافه من العباسيين ، حيث إنّهم كانوا يتعاملون مع أئمّة أهل البيت بالقتل والسجن ، وكان ذلك يزيد في قلوب الناس حبّاً لأهل البيت وبغضاً للخلفاء ، ولمّا شعر المأمون بذلك بدّل ذلك الأُسلوب بأُسلوب آخر وهو استقدام أهل البيت من موطنهم إلى دار الخلافة لكي يشرف على حركاتهم وسكناتهم ، وقد استمرّت هذه السياسة في حقّهم إلى الإمام الحادي عشر كما ستعرف.
وما كان من المأمون عند ما استقدم الإمام إلى مركز الخلافة ، إلّا أن شغف به لما رأى من فضله مع صغر سنّه وبلوغه في العلم والحكمة والأدب وكمال العقل ما لم يساوه فيه أحد من مشايخ أهل الزمان ، فزوّجه ابنته أُمّ الفضل وحملها معه إلى المدينة ، وكان حريصاً على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره ، ونحن نكتفي في المقام بذكر أمرين :
١ ـ لمّا توفّي الإمام الرضا عليهالسلام وقدم المأمون بغداد ، اتّفق أنّ المأمون خرج يوماً يتصيّد ، فاجتاز بطرف البلدة وصبيان يلعبون ومحمّد الجواد واقف عندهم ، فلمّا أقبل المأمون فرّ الصبيان ووقف محمّد الجواد ، وعمره آنذاك تسع سنين ، فلمّا قرب منه الخليفة قال له : يا غلام ما منعك أن لا تفرّ كما فرّ أصحابك؟! فقال له محمّد الجواد مسرعاً : «يا أمير المؤمنين فرّ أصحابي فرقاً والظنّ بك حسن أنّه لا يفرّ منك من لا ذنب له ، ولم يكن بالطريق ضيق فانتحي عن أمير المؤمنين» فأعجب