على أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يكتف بالنصّ على خليفته في بدء رسالته ، بل صرّح في مناسبات شتّى في السفر والحضر ، بخلافة عليّ عليهالسلام من بعده ، ولكن لا يبلغ شيء من ذلك في الأهمية والظهور والصراحة والحسم ما بلغه حديث الغدير.
٢ ـ قصة الغدير :
لمّا انتهت مراسم الحجّ ، وتعلّم المسلمون مناسك الحجّ من رسول الله ، قرّر رسول الله صلىاللهعليهوآله الرحيل عن مكّة ، والعودة إلى المدينة ، فأصدر أمراً بذلك ، ولمّا بلغ موكب الحجيج العظيم إلى منطقة «رابغ» (١) التي تبعد عن «الجحفة» (٢) بثلاثة أميال ، نزل أمين الوحي جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله بمنطقة تدعى «غدير خم» ، وخاطبه بالآية التالية :
(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (٣).
إنّ لسان الآية وظاهرها يكشف عن أنّ الله تعالى ألقى على عاتق النبيّ صلىاللهعليهوآله مسئولية القيام بمهمّة خطيرة ، وأيّ أمر أكثر خطورة من أن ينصّب علياً عليهالسلام لمقام الخلافة من بعده على مرأى ومسمع من مائة ألف شاهد؟!
من هنا أصدر رسول الله صلىاللهعليهوآله أمره بالتوقّف ، فتوقّف طلائع ذلك الموكب العظيم ، والتحق بهم من تأخر.
لقد كان الوقت وقت الظهيرة ، وكان المناخ حارّاً إلى درجة كبيرة جدّاً ، وكان الشخص يضع قسماً من عباءته فوق رأسه والقسم الآخر منها تحت قدميه ، وصنع للنبيّ صلىاللهعليهوآله مظلّة ، وكانت عبارة عن عباءة أُلقيت على أغصان شجرة (سمرة) ، وصلّى
__________________
(١) رابغ تقع الآن على الطريق بين مكّة والمدينة.
(٢) من مواقيت الإحرام وتنشعب منها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين.
(٣) المائدة : ٦٧.