وأقام الحاكم عند ابن مهنّا ، فكاتبه علاء الدّين طيبرس نائب دمشق يومئذ للملك الظّاهر يستدعيه ، فقدم دمشق في صفر ، فبعثه إلى السّلطان ، في خدمته الثّلاثة الّذين خرجوا معه من بغداد.
وكان المستنصر بالله قد تقدّمه بثلاثة أيّام إلى القاهرة ، فما رأى أن يدخل على إثره خوفا من أن يمسك ، فهرب راجلا وصحبته الزّين صالح البنّاء (١) ، وقصدا دمشق ، ودلّهما بدويّ من عرب غزية (٢) ، فاختفيا بالعقيبة ، وحصّلا ما يركبان ، وقصدا سلمية ، وصحبهما جماعة أتراك ، فوجدوا أهل سلمية متحصّنين خوفا من الأمير آقش البرلي ، فوقع بينهم مناوشة من حرب ، ونجا الحاكم وصاحبه ، وقصد البرلي فقبّل البرلي يده ، وبايعه هو وكلّ من بحلب ، وتوجّهوا إلى حرّان ، (فبايعه الشّيخ شهاب الدّين عبد الحليم ابن تيميّة والد شيخنا وأهل حرّان) (٣). وجمع البرلي للحاكم جمعا كثيرا نحو ألف فارس من التّركمان ، وقصدوا عانة ، فوافاهم الخليفة المستنصر ، فأعمل الحيلة ، وأفسد التّركمان على الحاكم ، ودخل الحاكم في طاعته وانقاد له ، ووقع الاتّفاق. فلمّا عدم المستنصر في الوقعة المذكورة في ترجمته قصد الحاكم الرّحبة ، وجاء إلى عيسى بن مهنّا ، فكاتب الملك الظّاهر فيه ، فطلبه ، فقدم إلى القاهرة ، فبايعوه وامتدّت أيّامه ، وكانت خلافته نيّفا وأربعين سنة (٤).
[موقعة التتار وعسكر البرلي]
قال أبو شامة (٥) : وفيها جاء الخبر بالتقاء التّتر الّذين بالموصل بعسكر
__________________
= ٢٢٦ ، بدائع الزهور ج ١ ق ١ / ٣١٢ ، ٣١٣ ، تاريخ الخلفاء ٤٧٨ ، ٤٧٩.
(١) في المختار ٢٦١ «صالح بن البناء» ، وفي ذيل مرآة الزمان ١ / ٤٨٦ ، «زين الدين صالح الأسدي المعروف بابن البنّاء».
(٢) غزية : موضع قرب جبلة. وجبلة قلعة مشهورة بساحل الشام من أعمال اللاذقية قرب حلب. (معجم البلدان ٤ / ٢٠٣ ، مراصد الاطلاع ١ / ٣١٢.)
(٣) ما بين القوسين لم يرد في المختار من تاريخ ابن الجزري (ص ٢٦١) ، ولا في ذيل المرآة ١ / ٤٨٦.
(٤) المختار ٢٦٠ ، ٢٦١ ، ذيل مرآة الزمان ١ / ٤٨٦ ، ٤٨٧ ، الدرّة الزكية ٨٦ ، ٨٧ ، البداية والنهاية ١٣ / ٢٣٣ ، تالي وفيات الأعيان ٣.
(٥) في ذيل الروضتين ٢١٨.