البلاد بالمغاني والطّبول. ثمّ علّق بسور باب الفراديس. فلمّا انكسروا دفنه المسلمون بمسجد الرّأس الّذي داخل باب الفراديس.
وكان رحمهالله أوّلا يداري التّتار ، فلمّا خبرهم انقبض منهم ، ولمّا رآهم على قصده قدم دمشق مستنجدا بالملك النّاصر ، فأكرمه غاية الإكرام ، وقدّم له تقادم جليلة ، ووعده بالنّجدة ، فرجع إلى ميّافارقين ، ولم يمكن النّاصر أن ينجده.
ثمّ إنّ هولاوو سيّر ابنه أشموط لمحاصرته ، فنازله نحوا من عشرين شهرا ، وصابر الكامل القتال حتّى فني أكثر أهل البلاد ، وعمّهم القتل والوباء والغلاء المفرط والعدم.
قلت : حدّثني شيخنا تاج الدّين محمود بن عبد الكريم الفارقيّ ، قال : سار الملك الكامل بن غازي إلى قلاع بنواحي آمد فافتتحها ، ثمّ سيّر إليها أولاده وأهله ، وكان أبي في خدمته ، فرحل بنا إلى حصن من تلك الحصون ، فعبر علينا التّتار فاستنزلوا أولاد الكامل بالأمان ، ومرّوا بهم علينا ، وعمري يومئذ سبع سنين. ثمّ إنّهم حاصروا ميّافارقين ، فبقوا نحو ثمانية أشهر.
فنزل عليهم الثّلج والبرد حتى هلك بعضهم. وكان الملك الكامل يخرج إليهم ويحاربهم وينكي فيهم ، فهابوه. ثمّ إنّهم بنوا عليهم مدينة بإزاء البلد بسور وأبرجة.
وأمّا أهل ميّافارقين فنفدت أقواتهم وجاعوا ، حتّى كان الرّجل يموت في البيت فيأكلون لحمه. ثمّ وقع فيهم موتان ، وفتر التّتر عن قتالهم وصابروهم. وفني أكثر أهل البلد. وفي آخر الأمر خرج بعض الغلمان إلى التّتار ، فأخبروهم بجليّة الأمر ، فما صدّقوه وقالوا : هذه خديعة. ثمّ تقرّبوا إلى السّور (١) فبقوا عنده أسبوعا لا يجسرون على الهجوم ، فدلّى إليهم مملوك الكامل حبلا ، فطلعوا إلى السّور ، فبقوا أسبوعا لا يجسرون على النّزول إلى البلد. وكان قد بقي فيها نحو سبعين نفسا بعد ألوف من النّاس.
ثمّ دخلت التّتار على الكامل داره وأمّنوه ، وعذّبوا أربعين رجلا على
__________________
(١) هكذا. وهو يرد في المصادر بالصاد والسين.