ولد في ذي القعدة سنة ثمانين وخمسمائة. وتفقّه ، وسمع الكثير من أبيه ، ويحيى بن بوش ، وذاكر بن كامل ، وأبي منصور عبد الله بن عبد السّلام ، وعبد المنعم بن كليب ، والمبارك بن المعطوش ، وعليّ بن محمد بن يعيش.
وقرأ القرآن مع أبيه بواسط على أبي بكر بن الباقلّانيّ صاحب أبي العزّ القلانسيّ.
روى عنه : أبو محمد الدّمياطيّ ، والرّشيد محمد بن أبي القاسم ، وجماعة.
وتفقّه عليه جماعة من البغداديّين وغيرهم.
وكان إماما كبيرا وصدرا معظّما ، عارفا بالمذهب ، كثير المحفوظ ، حسن المشاركة في العلوم ، مليح الوعظ ، حلو العبارة ، ذا سمت ووقار وجلالة وحرمة وافرة.
درّس وأفتى وصنّف ، وروسل به إلى الأطراف ، ورأى من العزّ والاحترام والإكرام شيئا كثيرا من الملوك والأكابر.
وكان محمود السّيرة ، محبّبا إلى الرّعيّة. ولي الأستاذ داريّة بضع عشرة سنة.
قال الدّمياطيّ : قرأت عليه كتاب «ألوفا في فضائل المصطفى» لأبيه وغيره من الأجزاء. وأنشدني لنفسه ، وأجازني بجائزة جليلة من الذّهب.
قال شمس الدّين ابن الفخر الحنبليّ : أمّا رئاسته وعقله فينقل بالتّواتر ، حتّى أنّ الملك الكامل مع عظمة سلطانه قال : كلّ واحد يعوز زيادة عقل سوى محيي الدين ابن الجوزيّ فإنّه يعوز نقص عقل. وذلك لشدّة مسكته وتصميمه وقوّة نفسه. يحكى عنه في ذلك عجائب منها أنّه مرّ في سويقة باب البريد والنّاس بين يديه ، وهو راكب البغلة ، فسقط حانوت ، فضجّ النّاس وصاحوا. وسقطت خشبة فأصابت كفل البغلة ، فلم يلتفت ولا يغيّر من هيئته.
حكى لي شيخنا مجد الدّين الرّوذراوريّ أنّه كان يناظر ولا يحرّك له جارحة.
وقد أنشأ بدمشق مدرسة كبيرة. وقدم رسولا مرّات.
قلت : ضربت عنقه بمخيّم ملك التّتار هو وأولاده تاج الدّين