والجهل ، يأتي إليه الملوك زائرين وقاصدين. وفي طول زمانه في جاه عريض عند الملوك والعامّة. وكان مجلسه مطربا ، وصوته طيّبا ، رحمهالله.
قلت : وحدّثونا أنّ ابن الصّلاح ، رحمهالله ، أراد أن يعظ ، فقال له الملك الأشرف : لا تفعل ، فإنّك لا تقدر أن تكون مثل شمس الدّين ابن الجوزيّ ، ودونه فما يرضى لك. فترك الوعظ بعد أن كان قد تهيّأ له.
وقال عمر بن الحاجب : كان بارعا في الوعظ ، كيس الإيراد ، له صيت في البلاد ، وله يد في الفقه واللّغة العربيّة. وكان حلو الشّمائل ، كثير المحفوظ ، فصيحا ، حسن الصّوت ، ينشئ الخطب ويحبّ الصّالحين والعزلة ، وفيه مروءة ودين.
وكان يجلس يوم السّبت ويبسط النّاس لهم من بكرة الجمعة حتّى يحصل للشّخص موضع ، ويحضره الأئمّة والأمناء. ويقع كلامه في القلوب.
قرأ الأدب على أبي البقاء ، والفقه على الحصيريّ ، ولبس الخرقة من عبد الوهّاب ابن سكينة.
وحظي عند الملك المعظّم إلى غاية. وكان حنبليّا فانتقل حنفيّا للدّنيا وورع وبرع وأفتى. وصنّف «مناصب أبي حنيفة» في مجلّد ، و «معادن الإبريز في التّفسير» تسعة وعشرين مجلّدا ، و «شرح الجامع الكبير» في مجلّدين.
قلت : ويقال في أبيه زغلي (١) بحذف القاف. وقد اختصر شيخنا قطب الدّين اليونينيّ تاريخه المسمّى و «مرآة الزّمان» ، وذيّل عليه إلى وقتنا هذا.
__________________
(١) وجاء في حاشية (شذرات الذهب ٥ / ٢٦٦ رقم ١) ما يلي : «في الأصل (قزغلي) وفي كثير من كتب التاريخ كالنجوم ، والأعلام ، وابن الجزري (قزأوغلي) وكلاهما وما يتصحّف منهما خطأ ، ويسعى بعضهم لتعليله تعليلا أعجميا فاسدا ، والصواب (فرغلي) كما في نسخة قديمة من الوافي بالوفيات ، وابن خلّكان ، وغيرهما من كتب الثقات».
ويقول خادم العلم وطالبه ، محقّق هذا الكتاب «عمر عبد السلام تدمري» : إنّ هذا التعليق مخالف للصواب ، وليس في المصادر ما يؤكّده ، والموجود في وفيات الأعيان لابن خلّكان ، والوافي بالوفيات للصفدي ، وغيره يؤكّد أن الاسم هو «قزغلي» وليس فرغلي. ولا غرابة في كون الاسم أعجميا فهو تركيّ الأصل كما في (شذرات الذهب) ، وما ذكره المؤلّف الذهبي ـ رحمهالله ـ أعلاه يؤكّد صحّة اسم «قزغلي». وانظر : وفيات الأعيان ٦ / ٢٣٩.