وريد بلسانهم الملك.
وشحنت دمياط بالذّخائر ، وأحكمت الشّواني. ونزل فخر الدّين ابن الشّيخ بالعساكر فنزل على جيزة دمياط ، فأقبلت مراكب الفرنج فأرسلت بإزاء المسلمين في صفر. ثمّ شرعوا من الغد في النّزول إلى البرّ الّذي فيه المسلمون. وضربت خيمة حمراء لريد افرنس ، وناوشهم المسلمون القتال ، فقتل يومئذ الأمير نجم الدّين ابن شيخ الإسلام ، والأمير الوزيريّ (١) ، فترحّل فخر الدّين ابن الشّيخ بالنّاس ، وقطع بهم الجسر إلى البرّ الشّرقيّ الّذي فيه دمياط ، وتقهقر إلى أشمون طناح ، ووقع الخذلان على أهل دمياط ، فخرجوا منها طول اللّيل على وجوههم حتّى لم يبق بها أحد. وكان هذا من قبيح رأي فخر الدّين فإنّ دمياط كانت في نوبة سنة خمس عشرة وستّمائة أقلّ ذخائر وعددا ، وما قدر عليها الفرنج إلى بعد سنة ، وإنّما هرب أهلها لمّا رأوا هرب العساكر وعلموا مرض السّلطان.
فلمّا أصبحت الفرنج تملّكوها صفوا بما حوت من العدد والأسلحة والذّخائر والغلال والمجانيق ، وهذه مصيبة لم يجر مثلها. فلمّا وصلت العساكر وأهل دمياط إلى السّلطان ، حنق على الكنانيّين الشّجعان الّذين كانوا بها ، وأمر بهم فشنقوا جميعا (٢) ، ثمّ رحل بالجيش وسار إلى المنصورة ، فنزل بها في المنزلة الّتي كان أبوه نزلها ، وبها قصر بناه الكامل. ووقع النّفير العام في المسلمين ، فاجتمع بالمنصورة أمم لا يحصون من المطّوّعة والحربان والحرافشة ، وشرعوا في الإغارة على الفرنج ومناوشتهم وتخطّفهم ، واستمرّ ذلك أشهرا ، والسّلطان يتزايد مرضه ، والأطبّاء قد أيأسته لاستحكام مرض السّلّ به.
وأمّا الكرك فإنّ صاحبها سافر إلى بغداد ، فاختلف أولاده ، وسار أحدهم إلى الملك الصّالح ، فسلّم إليه الكرك ، ففرح بها السّلطان مع ما هو فيه من
__________________
(١) هو صارم الدين أزبك الوزيري ، (نهاية الأرب ٢٩ / ٣٣٤).
(٢) وكانوا نيّفا وخمسين أميرا. (نهاية الأرب ٢٩ / ٣٣٥) وفي سير أعلام النبلاء ٢٣ / ١٩١ «وشنق من مقاتليها ستين».