حمص اضطرّ إلى أن أذعن بالصّلح ، وطلب العوض عن حمص تلّ باشر مضافا إلى ما بيده ، وهو الرّحبة ، فتسلّمها الأمير شمس الدّين لؤلؤ الأمينيّ ، وأقام بها نوّابا لصاحب حلب. فلمّا بلغ السّلطان وهو مريض أخذ حمص غضب وعظم عليه ، وترحّل إلى القاهرة ، واستناب بها ابن يغمور ، وبعث الجيوش إلى الشّام لاستنقاذ حمص. وسار السّلطان في محفّة ، وذلك في سنة ستّ وأربعين ، فنزل بقلعة دمشق وبعث جيشه فنازلوا حمص ، ونصبوا عليها المجانيق ، فممّا نصب عليها منجنيق مغربيّ ، ذكر لي الأمير حسام الدّين أنّه كان يرمي حجرا زنته مائة وأربعين رطلا بالشّاميّ. ونصب عليها قرابغا اثني عشر منجنيقا سلطانيّة ، وذلك في الشّتاء. وخرج صاحب حلب بعسكره فنزل بأرض كفرطاب ، ودام الحصار إلى أن قدم الباذرائيّ للصّلح بين صاحب حلب وبين السّلطان ، على أن يقرّ حمص بيد صاحب حلب ، فوقع الاتّفاق على ذلك ، وترحّل عسكر السّلطان عن حمص لمرض السّلطان ، ولأنّ الفرنج تحرّكوا وقصدوا مصر ، وترحّل السّلطان إلى الدّيار المصريّة لذلك وهو في محفّة (١).
وكان النّاصر صاحب الكرك قد بعث شمس الدّين الخسروشاهيّ إلى السّلطان وهو بدمشق يطلب منه خبز والشّوبك لينزل له عن الكرك ، فبعث السّلطان تاج الدّين ابن مهاجر في إبرام ذلك إلى النّاصر ، فرجع عن ذلك لمّا سمع بحركة الفرنج ، وطلب السّلطان نائب مصر جمال الدّين ابن يغمور ، فاستنابه بدمشق ، وبعث إلى نيابة مصر حسام الدّين ابن أبي عليّ ، فدخلها في ثالث محرّم سنة سبع.
وسار السّلطان فنزل بأشمون طناح ليكون في مقابلة الفرنج إن قصدوا دمياط. وتواترت الأخبار بأنّ ريد افرنس (٢) مقدّم الإفرنسيسيّة قد خرج من بلاده في جموع عظيمة ، وشتا بجزيرة قبرص ، وكان من أعظم ملوك الفرنج وأشدّهم بأسا.
__________________
(١) نهاية الأرب ٢٩ / ٣٣٤.
(٢) هو : روادي فرانس : ملك فرنسا ، لويس التاسع.