وسارت عساكر الشّام إلى غزّة ، ومضى المنصور صاحب حمص بنفسه إلى عكّا فأجابوه. فسافرت أنا إلى مصر ، ودخلت القدس فرأيت الرّهبان على الصّخرة وعليها قناني الخمر ، ورأيت الجرس (١) في المسجد الأقصى ، وأبطل الأذان بالحرم وأعلن الكفر.
وقدم وأنا بالقدس النّاصر داود إلى القدس فنزل بغربيّه.
وفيها ولّى الملك الصّالح قضاء مصر للأفضل الخونجيّ بعد أن عزل ابن عبد السّلام نفسه بمديدة (٢).
ولمّا عدّت الخوارزميّة الفرات ، وكانوا أكثر من عشرة آلاف ، ما مرّوا بشيء إلّا نهبوه ، وتقهقر الّذين بغزّة منهم. وطلع النّاصر إلى الكرك ، وهربت الفرنج من القدس ، فهجمت الخوارزميّة القدس ، فقتلوا من به من النّصارى ، وهدموا مقبرة القمامة ، وأحرقوا بها عظام الموتى ، ونزلوا بغزّة وراسلوا صاحب مصر ، فبعث إليهم الخلع والأموال ، وجاءتهم العساكر (٣) ، وسار الأمير حسام الدّين ابن أبي عليّ بعسكر ليكون مركزا بنابلس. وتقدّم المنصور إبراهيم على الشّاميّين ، وكان شهما شجاعا قد انتصر على الخوارزميّة غير مرّة ، وسار بهم ، ووافته الفرنج من عكّا وغيرها بالفارس والرّاجل ، ونفّذ النّاصر داود عسكره فوقع المصافّ بظاهر غزّة وانكسر المنصور شرّ كسرة واستحرّ القتل بالفرنج (٤).
قال ابن واصل (٥) : أخذت سيوف المسلمين الفرنج فأفنوهم قتلا وأسرا ، ولم يفلت منهم إلّا الشّارد ، وأسر أيضا من عسكر دمشق والكرك جماعة مقدّمين ، فحكي لي عن المنصور أنّه قال : والله لقد قصّرت ذلك اليوم ، ووقع في قلبي أنّنا لا ننصر لانتصارنا بالفرنج.
__________________
(١) في الأصل : «الجرص».
(٢) مفرّج الكروب ٥ / ٣٣٥.
(٣) مفرّج الكروب ٥ / ٣٣٦ ، ٣٣٧.
(٤) مفرّج الكروب ٥ / ٣٣٧ ، ٣٣٨.
(٥) في مفرّج الكروب ٥ / ٣٣٨ وما بعدها.