فلمّا وردت أخبار أخذ دمشق فارق الملك الصّالح سائر الأمراء والجند وطلبوا بلدهم وأهاليهم ، وترحّل هو إلى بيسان ، وفسدت نيّات من معه ، وعلموا أن لا ملجأ له ، وأنّه قد تلاشى بالكلّيّة ، وقال له حتّى أعمامه وأقاربه : لا يمكننا المقام معك ، أهالينا بدمشق. فأذن لهم فترحّلوا بأطلابهم وهو ينظر إليهم ، حتّى فارقه طائفة من مماليكه ، ولم يبق معه إلّا أستاذ داره وزين الدّين أمير جاندار ونحو سبعين مملوكا له (١). فلمّا جنّه اللّيل أمر أن لا تشعل الفوانيس ، ثمّ رحل في اللّيل وردّ إلى جهة نابلس. فحكى لي الأمير حسام الدّين قال : لمّا رحل السّلطان من منزلته اختلفت كلمة من بقي معهم ، وأشار بعضهم بالرّجوع إلى الشّرق فخاف أن يؤخذ لبعد المسافة وقال : ما أرى إلّا التّوجّه إلى نابلس فألتجئ إلى ابن عمّي الملك النّاصر. فتوجّه إلى نابلس ، فلمّا طلعت الشّمس ورأى مماليكه ما هو فيه من القلّة واقعهم البكاء والنّحيب. واعترضهم جماعة من العربان فقاتلوهم وانتصروا على العرب ، ونزلوا بظاهر نابلس (٢).
وقوي أمر الصّالح إسماعيل ، وجاءته الأمراء وتمكّن. وكان وزيره أمين الدّولة سامريّا أسلم في صباه. وكان عمّه وزيرا للأمجد صاحب بعلبكّ ، ومات على دينه (٣).
وأمّا العادل بمصر فإنّه استوحش من النّاصر داود وتغيّر عليه ، فخلّاه النّاصر ، وردّ إلى الكرك ومعه سيف الدّين عليّ بن قليج (٤) فوافق ما تمّ على الصّالح. فبعث إلى الصّالح يعده النّصر ، وأشار عليه بالنّزول بدار الملك المعظّم بنابلس. ثمّ نزل النّاصر بعسكره. ثمّ أمر يوما بضرب البوق ، وأوهم أنّ الفرنج قد أغاروا على ناحيته ، فركب معه جماعة الصّالح الّذين معه ، فحينئذ أمر النّاصر بتسيير الملك الصّالح إلى الكرك في اللّيل. فلم يصحب الصّالح من غلمانه سوى
__________________
(١) مفرّج الكروب ٥ / ٢٣٣ ، ٢٣٤.
(٢) مفرّج الكروب ٥ / ٢٣٥ ، ٢٣٦.
(٣) مفرّج الكروب ٥ / ٢٣٦.
(٤) في مفرّج الكروب ٥ / ٢٣٩ (قلج) ، وهو سواء بكسر اللام.