ثمّ ندم الجواد واستقلّ من جامع الصّالح ، فطلب جماعة واستمالهم ، فأتاه المظفّر وعاتبه واستحلفه ، وضمن له ما شرط له الصّالح ، فخرج من البلد وسار فتسلّم سنجار وغيرها. فعند ذلك أخرب صاحب حمص سلمية ، ونقل جميع أهلها إلى حمص أذى لصاحب حماة. فلمّا مات المجاهد ردّ أهلها وعمّروها.
وجاءت الخوارزميّة ، فاتّفق معهم المظفّر ، ونازل حمص وجدّ في القتال ، فراسل المجاهد الخوارزميّة واستمالهم وبذل لهم مالا ، فأخذوه ، فعرف المظفّر فخافهم وردّ إلى حماة ، وعادت الخوارزميّة إلى الشرق فأقاموا في بلادهم الّتي أقطعهم الملك الصّالح.
ثمّ تواترت كتب المظفّر ورسله على الصّالح يحضّه على قصد حمص ، وقدم على الصّالح عمّه الصّالح إسماعيل من بعلبكّ ، فأظهر له الودّ وحلف له ، ورجع إلى بلده ليومه.
وأمّا العادل فانزعج بمصر لقدوم أخيه وأخذه دمشق ، وخاف. ثمّ ورد على الصّالح رسول ابن عمّه الناصر داود بمؤازرته بأخذ مصر له شرط أن تكون دمشق للنّاصر ، فأجابه. ثمّ برز الصّالح إلى ثنيّة العقاب ، وأقام أيّاما ليقصد حمص. وجاء أستاذ داره حسام الدّين ابن أبي عليّ الهذبانيّ من الشّرق ، فدبّر الدّولة بعقله وفضله (١). وجاءته القضاة من أمراء مصر سرّا يدعونه إلى مصر ليملكها ، فتحيّر هل يقصد مصر أو حمص. ثمّ رجّح مصر فترحّل على الفور ، وبلغه مجيء جماعة أمراء من مصر مغفّرين ، ونزلوا بغزّة. وكان مع الصّالح نحو ستّة آلاف فارس جياد ، وفيهم عمّاه مجير الدّين يعقوب وتقيّ الدّين عبّاس وجماعة من الأمراء المعظّميّة ، وجاءه الأمراء المصريّون لخربة اللّصوص ، ومعه ولده المغيث عمر. وترك بقلعة دمشق ولده الصّغير مع وزيره صفيّ الدّين ابن مهاجر ، فمات الصّبيّ.
__________________
(١) انظر : مفرّج الكروب ٥ / ٣٦١.