وقال ابن الحاجب في «معجمه» : إمام ورع ، وافر العقل ، حسن السّمت ، متبحّر في الأصول والفروع ، بالغ في الطّلب حتّى صار يضرب به فيه المثل ، وأجهد نفسه في الطّاعة والعبادة.
قلت : وكان حسن الاعتقاد على مذهب السّلف ، يرى الكفّ عن التّأويل ، ويؤمن بما جاء عن الله ورسوله على مرادهما. ولا يخوض ولا يتعمّق.
وفي فتاويه : سئل عمّن يشتغل بالمنطق والفلسفة فأجاب : الفلسفة أسّ السّفه والانحلال ، ومادّة الحيرة والضّلال ، ومقال الزّيغ والزّندقة. ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشّريعة المؤيّدة بالبراهين. ومن تلبّس بها قارنه الخذلان والحرمان ، واستحوذ عليه الشّيطان ، وأظلم قلبه عن نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم.
إلى أن قال : واستعمال الاصطلاحات المنطقيّة في مباحث الأحكام الشّرعيّة من المنكرات المستبشعة ، والرّقاعات المستحدثة ، وليس بالأحكام الشّرعيّة ، ولله الحمد ، افتقار إلى المنطق أصلا ، وهو فقاقع قد أغنى الله عنها كلّ صحيح الذّهن. فالواجب على السّلطان ، أعزّه الله ، أن يدفع عن المسلمين شرّ هؤلاء المشائيم ، ويخرجهم من المدارس ويبعدهم.
وللشّيخ فتاو هكذا مسدّدة ، فرحمهالله ورضي عنه.
وكان معظّما في النّفوس ، حسن البزّة ، كثير الهيبة ، يتأدّب معه السّلطان فمن دونه (١).
تفقّه عليه كثير منهم : الإمام شمس الدّين عبد الرحمن بن نوح المقدسيّ ، والإمام شهاب الدّين عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة ، والإمام كمال الدّين سلار ، والإمام كمال الدّين إسحاق ، والإمام تقيّ الدّين ابن رزين قاضي الدّيار المصريّة ، والعلّامة شمس الدّين ابن خلّكان قاضي الشّام.
وروى عنه : الفخر عمر بن يحيى الكرجيّ ، والمجد يوسف بن المهتار ،
__________________
(١) في وفيات الأعيان ٢ / ٢٤٣ ، ٢٤٤.