بعلبكّ على بغل بإكاف ، فاعتقله واستأصله ، ثمّ بعث به إلى مغارة أفقة (١) في جبل لبنان فأهلكه بها. وبعث إليه عدلين شهدوا عليه ببيع أملاكه. فحدّثني أحدهما قال : رأيته وعليه قندورة صغيرة ، وعلى رأسه تخفيفة ، فبكى وقال : معكم شيء آكل فلي ثلاثة أيّام ما أكلت شيئا.
فأطعمناه من دارنا ، وشهدنا عليه ببيع أملاكه للسّامريّ ، ونزلنا من عنده ، فبلغنا أنّهم جاءوا إليه ، فأيقن بالهلاك وقال : دعوني أصلّي ركعتين. فقام يصليّ وطوّل ، فرفسه داود من رأس شقيف مطلّ على نهر إبراهيم (٢) ، فما وصل إلى القرار إلّا وقد تقطّع.
وحكى لي آخر أنّ ذيله تعلّق بسنّ الجبل فضربوه بالحجارة حتّى مات.
وذكر ناصر الدّين محمد بن المنيطريّ (٣) ، عن عبد الخالق رئيس النّيرب قال : لمّا سلّم القاضي الرّفيع إلى المقدّم داود سيف النقمة وإليّ أيضا وصلنا به إلى الشّقيف (٤) وفيه عين ماء فقال : عليّ غسل وأشتهي تمكّنوني أغتسل وأصلّي. فنزل واغتسل وصلّى ودعا ، ثمّ قال : افعلوا ما شئتم. فدفعه داود ، فما وصل إلّا وقد تلف.
قال أبو المظفّر (٥) : وحكى لي أعيان الدّماشقة أنّ الموفّق الواسطيّ هو كان أساس البلاء ، فتح أبواب الظّلم ، وجسر الرّفيع على جهنّم ، وأخذ لنفسه من أموال النّاس ستّمائة ألف درهم. وآخر أمر الموفّق أنّه عذّب عذابا ما عذّبه
__________________
(١) مغارة أفقة : شرقي مدينة جبيل. وهي بضم الهمزة وسكون الفاء وفتح القاف. وقد تحرّفت في المرآة إلى : «أفنة».
(٢) نهر إبراهيم : هو النهر الّذي يسقي مدينة جبيل ، وينبع في جبل لبنان شرقيّ المدينة ، ويسمّى قديما نهر أدونيس.
(٣) المنيطري : بضمّ الميم وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وكسر الطاء والراء. نسبة إلى المنيطرة ، وهو حصن وجبل يرتفع في جبال لبنان بين جبيل وبعلبكّ. وقد تصحّفت هذه النسبة في : المختار من تاريخ ابن الجزري ١٩٥ إلى «المنطيري».
(٤) تصحّفت في المختار إلى : «السقيف» بالسين المهملة.
(٥) في المرآة ج ٨ ق ٢ / ٧٥٠.