دخل من توجّهه إلى بغداد رسولا ، وخرج لتلقّيه الوزير أمين الدّولة والمنصور ابن السّلطان إسماعيل. ودخل في زحم عظيم وعليه خلعة سوداء وعلى جميع أصحابه. فقيل إنّه لم يدخل بغداد ولا أخذت منه رسالة وردّ ، واشترى الخلع من عنده لأصحابه.
وشرع الملك الصّالح في مصادرة النّاس على يد (١) الرّفيع الجيليّ. وكتب إلى نوّابه في القضاء يطلب منهم إحضار ما تحت أيديهم من أموال اليتامى. فهذا القاضي ما ولي قاضي مثله. كان يسلك طريق الولاة ويحكم بالرّشوة ، ويأخذ من الخصمين ، ولا يعدّل أحدا إلّا بمال ، ويأخذ ذلك جهرا. وفسقه ظاهر. وقد استعار أربعين طبقا ليهدي فيها هديّة إلى صاحب حمص فلم يردّها. فسبى النّاس بأفعاله جور الولاة وأصحاب الشّروط. وغارت المياه في أيامه وبطلت طواحين كثيرة ، وصار نهر ثورة (٢) يوم الفتوح لا يبلغ طاحونة مقرى (٣).
ومات في ولايته عجميّ خلّف مائة ألف وابنة ، فما أعطى البيت فلسا.
وأذن الرّفيع للنّساء في دخول جامع دمشق ، وقال : ما هو بأعظم من الحرمين ، فدخلن وامتلأ بالنّساء والرّجال ليلة النّصف ، وتأذّى النّاس بذلك حتّى شكوا إلى السّلطان ، فمنع الناس منه.
قال أبو المظفّر بن الجوزيّ (٤) : حدّثني جماعة أعيان أنّه كان فاسد العقيدة ، دهريّا ، مستهترا بأمور الشّريعة ، يجيء إلى صلاة الجمعة سكرانا. وأنّ داره كانت مثل الحانة ، شهد بهذه الأشياء عندي جماعة عدول.
وحكى لي جماعة أنّ الوزير السّامريّ بعث به في اللّيل من دمشق إلى قلعة
__________________
(١) في الأصل : «رد».
(٢) هو نهر ثورا : بالفتح والألف الممدودة ، وهو نهر عظيم بدمشق. وجاء في شعر بعضهم : «ثورة» بالهاء ، وهو ضرورة. وقد أثبتها المؤلّف ـ رحمهالله ـ كما ترى ، وهو من أهل دمشق ، فتأمّل.
(٣) مقرى : قرية بالقرب من دمشق. بفتح الميم وسكون القاف ، وفتح الراء ، وألف مقصورة.
(٤) في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢ / ٧٥٠.