فقالت الجارية لهشام : أسألك مناظرة ، وإنَّما هي مسألة ، فإن أجبت عنها بالحقّ ؛ خلاّ أمير المؤمنين سبيلك ، وإنْ عجزت أباح دمك.
قال هشام : سلي عمّا بدا لك ، وبالله المستعان على ما تصفون.
قالت : خبّرني عن إمامك علي بن أبي طالب لَمَّا اختصم وعمّه العبّاس إلى أبي بكر ، أيّهما كان الظالم؟
قال هشام : فَوَردَتَ عليّ مسألة لم يَردْ عليّ مثلها ، فقلت في نفسي : إنْ قلت عليّاً ؛ استوجبت النّار ، وإنْ قلت العبّاس ؛ قتلني الرشيد لا محالة ، فأطرقتُ مليّاً وقد خنق(١) الرشيد غيظاً عليّ ، وقد رأى أنّه أصاب عليّ فرصة ، فقال : يا هشام ، هذا والله يومك ، كلّمها وأخبرنا.
قلت : يا أمير المؤمنين ، أخبرني عن الخصمين اللذيْن اختصما إلى داوود ، وَذُكر أنّهما جبرائيل وميكائيل ، أيّهما كان الظالم(٢)؟
قال الرشيد : بل كان داوود الظالم لهما ، وإنَّ الحقّ لهما دونه مآل.
قال هشام : قد أقررت يا أمير المؤمنين أنّ الذي اختصما إليه كان ظالماً لهما ، وأنّ الحقّ لهما دونه(٣).
__________________
(١) خنق : حَنَقَ ، والحنق : الغيظ ، والجمع حناق. انظر الصحاح ١٤٦٥ «حنق».
(٢) يقصد بذلك قوله تعالى : (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِـحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْض فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ) سورة ص ٣٨ : ٢٢.
(٣) أورد هذه المناظرة الشيخ المفيد في الفصول المختارة ، ولكن فيها أن يحيى البرمكي هو من سأل هشام عن هذه المسألة وليست الجارية. وكذلك ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث. علماً أنّ ابن شهرآشوب لم يصرّح باسم يحيى بن خالد ، بل يقول بأنّ متكلّماً قال للرشيد : أريد أن أقرّر هشام بن الحكم بأنّ عليّاً كان ظالماً. وكذلك ابن عبد ربّه في العقد الفريد لم يصرّح باسم يحيى.