وربّما تضرّر في نفسه ولا يقول لأحد شيئا ، فحدّثني ولده أبو المجد ، قال : جاء إلى والدي يوما جماعة يقرءون عليه ، فطوّلوا ، ومن عادته أن لا يقول لأحد شيئا ، فجاء هذا القطّ الّذي لنا ، فأخذ القلم الّذي يصلحون به بفمه ، فكسره ، فتعجّبوا من ذلك وقالوا : لعلّنا أطلنا ، وقاموا.
واشتغل الناس عليه مدّة ب «الخرقيّ» و «الهداية» ثمّ ب «مختصر الهداية» الّذي جمعه ، ثمّ بعد ذلك ، اشتغل عليه الخلق بتصانيفه : «المقنع» و «الكافي» و «العمدة». وكان يقرأ عليه النحو ، ويشرحه ولم يترك الاشغال إلّا من عذر ، وانتفع به غير واحد من البلدان ، ورحلوا إليه.
وكان لا يكاد يراه أحد إلّا أحبّه ، حتّى كان كثير من المخالفين يحبّونه ، ويصلّون خلفه ويمدحونه مدحا كثيرا. وكنت أعرف في عهد أولاده أنّهم يتخاصمون عنده ، ويتضاربون وهو لا يتكلّم ، وكنّا نقرأ عليه ، ويحضر من لا يفهم ، فربّما اعترض ذلك الرجل بما لا يكون في ذلك المعنى ، فنغتاظ نحن يقول : ليس هذا من هذا ، وجرى ذلك غير مرّة ، فما أعلم أنه قال له قطّ شيئا ، ولا أوجع قلبه.
وكانت له جارية تؤذيه بخلقها فما كان يقول لها شيئا ، وكذلك غيرها من نسائه.
وسمعت البهاء عبد الرحمن يقول : لم أر فيمن خالطت أجمل منه ، ولا أكثر احتمالا.
وكان متواضعا ، يقعد إليه المساكين ، ويسمع كلامهم ، ويقضي حوائجهم ، ويعطيهم.
وكان حسن الأخلاق ، لا نكاد نراه إلّا متبسّما ، يحكي الحكايات لجلسائه ، ويخدمهم ، ويمزح ، ولا يقول إلّا حقّا.
وسمعت البهاء عبد الرحمن يقول : قد صحبناه ، في الغزاة ، فكان يمازحنا ، وينبسط معنا ، يقصد بذاك طيب قلوبنا ، فما رأيت أكرم منه ، ولا أحسن صحبة.