الأمر العاشر :
يظهر من مجموع الروايات الواردة عندهم أنّ سبب نزول آيات الحجاب كان بشأن ما صدر من فعل مجموعة من الصحابة البارزين ، الّذين يكثر دخولهم بيوت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكانوا يدخلون دون استئذان ، ويطيلون الحديث مع أُمّهات المؤمنين ؛ كما ذكر ذلك عدّة من مفسّـري أهل سُـنّة الجماعة ، ممّن تقدّم نقل كلماتهم ..
وأنّ الرجل الآخر ينتمي إلى بني أُمية والعاص ؛ لأنّ مقتضى كلامه في أُمّ سلمة ؛ إذ كانت ذا نسب بهم.
روى الطبري بسـنده عن أنس بن مالك ، قال : «أنا أعلم الناس بهذه الآية ، آية الحجاب : لمّا أُهديت زينب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صنع طعاماً ودعا القوم ، فجاؤوا فدخلوا وزينب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في البيت ، وجعلوا يتحدّثون ، وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج ثمّ يدخل وهم قعود. قال : فنزلت هذه الآية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ ... إلى : فَسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب). قال : فقام القوم وضُرب الحجاب» (١).
فالتعبير في هذه الرواية بـ «القوم» دالّ على «عدّة» هي مورد الخطاب لنزول الآيات : (لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ).
ومن الظاهر كونهم ممّن يكثِر الاختلاط بالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والدخول في بيوته ؛ فهم من مبرّزي الصحابة.
__________________
(١) جامع البيان ـ ابن جرير الطبري ٢٢ / ٤٧.