قلت : توفّي يوم عيد الفطر بهراة (١).
__________________
(١) وقال القزويني في (آثار البلاد وأخبار العباد) : حكي أن فخر الدين الرازيّ ورد بخارى ، وحضر حلقة رضيّ الدين النيسابورىّ ، وكان في حلقته أربعمائة فاضل مثل ركن الدين العميدي ، وركن الدين الطاووسيّ ، ومن كان من طبقاتهم ومعه كان دونهم ، واستدلّ [أي الرازيّ] في ذلك المجلس فلم يبق من القوم إلا من أورد عليه سؤالا أو سؤالين ، فأعادها كلها ، فلما قال : والاعتداد عن هذه الفوائد ، قال رضي الدين : لا حاجة إلى الجواب فإنه لا مزيد على هذا ، وتعجّب القوم ضبطه وإعادته وترتيبه.
وحكي أنه قبل اشتهاره ذهب إلى خوارزم مع رسول ، فقال أهل خوارزم للرسول : سمعنا أن معك رجلا فاضلا نريد أن نسمع منه فائدة ، وكانوا في الجامع يوم الجمعة بعد الصلاة ، فأشار الرسول إلى فخر الدين بذلك ، فقال فخر الدين : أفعل ذلك بشرط أن لا يبحثوا إلّا موجها. فالتزموا ذلك. فقال : من أي علم تريدون؟ قالوا : من علم الكلام فإنه دأبنا. قال : أي مسألة تريدون؟ اختاروا مسألة شرع فيها وقرّرها بأدنى زمان ، وكان هناك من العوامّ خلق كثير ، وعوامّ خوارزم متكلّمة لعلّهم عرفوا أن فخر الدين قرّر الدليل وغلبهم كلهم ، فأراد مرتّب القوم أن يخفي ذلك محافظة لمحفل الرئيس فقال : قد طال الوقت وكثرت الفوائد. اليوم تقتصر على هذا ، وتمامه في مجلس آخر في حضرة مولانا. فقال فخر الدين : أيها الخوارزميّ إن مولانا لا يقوم من هذا المجلس إلا كافرا أو فاسقا لأني ألزمته الحكم بالحجّة ، فإن لم يعتقد فهو كافر على زعمه ، وإن اعتقد ولم يعترف به فهو فاسق على زعمه.
وحكي أنه ورد بخارى ، وسمع أن أحدا من أهل بخارى ذكر إشكالات على إشارات أبي علي [يعني ابن سينا] ، فلما ورد فخر الدين بخارى أوصى لأصحابه أن لا يعرضوا ذلك على فخر الدين ، فقال فخر الدين لأحد من أصحاب الرجل : أغزني ليلة واحدة. ففعل ، فضبطها كلها في ليلة واحدة ، وقام وذهب إليه أول النهار وقال له : سمعت أنك أوردت الإشكالات على أبي عليّ ، فمعنى كلام أبي عليّ هذا كيف تورد عليه الإشكال ، حتى أتى على جميعها ، ثم قال له : أما تتّقي الله فهو كلام الرجل ما تعرف وتفسّرها من عندك تفسيرا فاسدا وتورد عليه الإشكال؟ فقال الرجل : أظن أن الفخر الرازيّ! فقال : ما أخطأت في هذا الظن. وقام وخرج.
وحكي أنه كان يعظ على المنبر بخوارزم وعوامّ خوارزم كلهم متكلّمة يبحثون بحثا صحيحا. وكان يأتي بمسألة مختلفة بين المعتزلة والأشاعرة ، ثم يقرّرها تقريرا تاما ويقول : أئمّة المعتزلة لا يقدرون على مثل هذا التقرير. ويقول لهم : أما هذا تقرير حسن؟ يقولون : نعم. فيقول : اسمعوا إبطاله. فيبطله بأدلّة أقوى منها ، فالمعتزلة عزموا على ترك الاعتزال لأن الواجب عليهم اتباع الدليل ، فقال لهم مشايخهم : لا تخالفوا مذهبكم فإن هذا رجل أعطاه الله في التقرير قوّة عجيبة ، فإنّ هذا لقوّته لا لضعف مذهبكم.
وحكي أنه كان على المنبر فنقل شيئا من التوراة فقالوا : كيف عرفت أنه في التوراة؟ فقال :