فيقول النخّاس : فما الحيلة ولا بدّ من بيعك.
فتقول الجارية : وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى أمانته وديانته؟!.
فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له :
إنّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف ، كتبه بلغة روميّة وخطّ روميّ ، ووصف فيه كرمه ووفاه ونبله وسخاءه ، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه ، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك».
قال بشر بن سليمان النخّاس : فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليهالسلام في أمر الجارية ، فلمّا نظَرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً ، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس :
بعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرّجة المغلّظة (١) إنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.
فما زلت أُشاحّه في ثمنها حتّى أستقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليهالسلام من الدنانير في الشستقة الصفراء ، فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولاها عليهالسلام من جيبها وهي تلثمه (٢) وتضعه على خدّها ، وتطبقه على جفنها ، وتمسحه على بدنها.
فقلت تعجباً منها : أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟
__________________
(١) المحرّجة : اليمين التي تضيق المجال على الحالف ولا تبقي له مندوحة عن البرّ بقسمه ، والمغلظة : المؤكّدة.
(٢) أي تُقبّله.