قال : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشّاء البغدادي ، قال : حدّثنا أحمد ابن طاهر القمّي ، قال : حدّثنا أبو الحسين محمّـد بن بحر الشيباني ، قال : وردت كربلاء سنة ستٍّ وثمانين ومئتين ، قال : وزرت قبر غريب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ انكفأت إلى مدينة السلام متوجّهاً إلى مقابر قريش في وقت قد تضرّمت الهواجر وتوقّدت السمائم ، فلمّا وصلت منها إلى مشهد الكاظم عليهالسلام واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران ، أكببت عليها بعبرات متقاطرة ، وزفرات متتابعة ، وقد حجب الدمع طرفيّ عن النظر. فلمّا رقأت العبرة وانقطع النحيب ، فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه ، وتقوّس منكباه ، وثقنت جبهته وراحتاه ، وهو يقول لآخر معه عند القبر : يا ابن أخي! لقد نال عمّك شرفاً بما حمّله السيّدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم ، التي لم يحمل مثلها إلاّ سلمان ، وقد أشرف عمّك على استكمال المدّة وانقضاء العمر ، وليس يجد في أهل الولاية رجلا يفضي إليه بسرّه.
قلت : «يا نفس! لا يزال العناء والمشقّة ينالان منكِ بإتعابي الخفّ والحافر (١) في طلب العلم ، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدلّ على عِلم جسيم وأثر عظيم ، فقلت :
أيّها الشيخ! ومن السيّدان؟
قال : النجمان المغيّبان في الثرى بسرّ من رأى.
فقلت : إنّي أقسم بالموالاة وشرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة
__________________
ولكن ليس فيه مقدّمات الحديث من كلام الرُّهني بل ممّا قال بشر : أتاني كافور الخادم فقال ... ورواه الشيخ عن جماعة ، عن أبي المفضّل الشيباني ، عن الرُّهني.
(١) كناية عن البعير والفرس.