القلب لا يكون إلاّ عند هبوب روائح القهر والغلبة ، وإظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد إليه قلبه ، نحو قول الله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِين * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) (١) وإن قلت : أسلما كرهاً كان يقصدني بالطعن إذ لم تكن ثمّة سيوف منتضاة (٢) كانت تريهما البأس.
قال سعد : فصدرت عنه مزورّاً (٣) قد انتفخت أحشائي من الغضب ، وتقطّع كبدي من الكرب ، وكنت قد اتّخذت طوماراً وأثبتّ فيه نيّفاً وأربعين مسألة من صعاب المسائل لم أجد لها مجيباً ، على أن أسال عنها خبير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمّـد عليهالسلام.
فارتحلت خلفه وقد كان خرج قاصداً نحو مولانا بسرّ من رأى ، فلحقته في بعض المنازل ، فلمّا تصافحنا قال : بخير لحاقك بي. قلت : الشوق ثمّ العادة في الأسولة. قال : قد تكافينا على هذه الخطّة الواحدة ، فقد برّح بي القرم (٤) إلى لقاء مولانا أبي محمّـد عليهمالسلام وأنا أُريد أن أسأله عن معاض في التأويل ومشاكل في التنزيل ، فدونكها الصحبة المباركة فإنّها تقف بك على ضفّة بحر (٥) لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه ، وهو إمامنا.
__________________
(١) سورة المؤمن ٤٠ : ٨٤ ـ ٨٥.
(٢) انتضى السيف : سلّه.
(٣) الازورار عن الشيء : العدول عنه.
(٤) الخطّة ـ بالضم ـ شبه القصّة والأمر والجهل ؛ يعني تساوينا على هذه الحالة أي العادة في الأسولة في القصّة الواحدة في الأمر الواحد.
وبرّح به الأمر تبريحاً ، وتباريح الشوق : توهّجه ، والقرم ـ محرّكة ـ : شدّة شهوة اللحم ، وكثر استعمالها حتّى قيل في الشوق إلى الحبيب والمراد هنا شدّة الشوق. وفي بعض النسخ : (برّح بي الشوق).
(٥) ضفّة البحر : ساحله ، وفي بعض النسخ : (ثقف بك).