تأكيد الدعوة وإلزام الحجّة ، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإنّي مثيبك عليه ، واغرس هذا النوى ؛ فإنّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص ، وبشّر بذلك من تبعك من المؤمنين.
فلمّا نبتت الأشجار وتأزّرت وتسوّقت وأغصنت ، وزها الثمر عليها (١)بعد زمان طويل استنجز من الله العِدَة ، فأمره الله تعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار ، ويعاود الصبر والاجتهاد ، ويؤكّد الحجّة على قومه ، فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به فارتدّ منهم ثلاثمئة رجل وقالوا : لو كان ما يدّعيه نوح حقّاً لما وقع في عدّته خلف.
ثمّ إنّ الله تعالى لم يزل يأمره عند إدراكها كلّ مرّة أن يغرس تارة بعد أُخرى إلى أن غرسها سبع مرّات ، وما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتدّ منهم طائفة بعد طائفة إلى أن عادوا إلى نيّف وسبعين رجلا ، فأوحى الله عزّ وجلّ عند ذلك إليه وقال : الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرّح الحقّ عن محضه ، وصفا الأمر للإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة.
فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من ارتدّ من الطوائف التي كانت آمنت بك ، لما كنت صدّقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا لي التوحيد من قومك واعتصموا بحبل نبوّتك ، بأن استخلفهم في الأرض ، وأُمكّن لهم دينهم ، وأُبدّل خوفهم بالأمن ؛ لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشكّ من قلوبهم.
وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن منّي لهم ،
__________________
(١) أي تقوّت الشجرة وتوقّى ساقها وكثرت أغصانها (من حاشية الكمال) وزهو الثمرة : إحمرارها واصفرارها ، وفي البحار : وزهى الثمر عليها.