الموقف طوبى لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الأمي ، والذي له الملك الاعلى لا فاز أحد ولا نال الروح والجنة إلّا من لقي خالقه بالاخلاص لهما والاقتداء بنجومهما ، فأيقنوا يا أهل ولاية الله بياض وجوهكم وشرف مقعدكم وكرم مآبكم ، وبفوزكم اليوم على سرر متقابلين ، ويا أهل الانحراف والصدود عن الله عز ذكره ورسوله وصراطه وأعلام الازمنة أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاء بما كنتم تعملون ، وما من رسول سلف ولا نبي مضى إلّا وقد كان مخبرا أمته بالمرسل الوارد من بعده ، ومبشرا برسول اللهصلىاللهعليهوآله وموصيا قومه باتباعه ومحلّيه عند قومه ليعرفوه بصفته يتبعوه على شريعته ولئلّا يضلوا فيه من بعده، فيكون من هلك وضل بعد وقوع الإعذار والإنذار عن بيّنة وتعيين حجة ، ثم كانت الأمم في رجاء من الرسل وورود من الأنبياء ، ولئن أصيبت بفقد نبي بعد نبي على عظم مصائبهم وفجائعها بهم فقد كانت على سعة من الأمل ، ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول الله صلىاللهعليهوآله لأن الله ختم به الإنذار والإعذار وقطع به الاحتجاج والعذر بينه وبين خلقه وجعله بابه الذي بينه وبين عباده ومهيمنة الذي لا يقبل الّا به ولا قربه إليه إلّا بطاعته وقال في محكم كتابه (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى).
ومن قوله : (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (١) فقرن طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته فكان ذلك دليلا على ما فوض إليه ، وشاهدا له على من اتبعه وعصاه ، وبيّن ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم فقال تبارك وتعالى في التحريض على اتباعه والترغيب في تصديقه والقبول لطاعته لدعوته (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (٢) فاتباعه صلىاللهعليهوآله محبة الله ورضاه غفران الذنوب ، وكمال الفوز ووجوب الجنة ، وفي التولّي عنه والإعراض محادة الله وغضبه وسخطه والبعد منه مسكن النار وذلك قوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) (٣) يعني الجحود به والعصيان له ، فإن الله تبارك وتعالى اسمه امتحن بي عباده وقتل بيده اضداده وافنى بسيفي جحّاده ، وجعلني زلفة للمؤمنين وحياض موت على الجبارين ، وسيفه على المجرمين وشدّ بيّ أزر رسوله ، وأكرمني بنصره وشرفني بعلمه وحباني بأحكامه واختصني بوصيته واصطفاني بخلافته في أمته فقال وقد حشده المهاجرون والأنصار وانغضت بهم المحافل.
أيها الناس إنّ عليا منّي كهارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي ، فعقل المؤمنون عن الله نطق
__________________
(١) النساء : ٨٠.
(٢) آل عمران : ٣١.
(٣) هود : ١٧.