الجليس بأنّ الهدية أشير عليه بأنّ لا يستصحبها ، وإن استصحبها تكون هديّة برسم من حواليه ، وأنّ الكتاب لا يأخذه إلّا بتصريح أمير المؤمنين ، وأنّ السّلطان ـ عزّ نصره ـ رسم بذلك ، والملك العادل بأن لا يسير إلا بذلك ، وأنّه إذا لقي القوم خاطبهم بهذه التّحيّة عن السّلطان من لسانه ، فأجابه المملوك بأنّ الخطاب وحده يكفي ، وطريق جحده ممكن ، وإنّ الكتابة حجّة تقيّد اللّسان عن الإنكار ، فلا ينبغي. ومتى قرئت على منبر الغرب جعلنا خالعين شاقّين عصا المسلمين ، مطيعين من لا تجوز طاعته ، ويفتح باب يعجز موارده عن الإصدار ، بل تمضي وتكشف الأحوال ، فإن رأيت للقوم شوكة ، ولنا زبدة ، فعدهم بهذه المخاطبة ، واجعل كلّما يأخذه ثمنا للوعد بها خاصّة ، فامتنع وقال : أنا أقضي أشغالي ، وأتوجّه للإسكندريّة ، وأنتظر جواب السّلطان.
وإلى أن أنجز أمر الموكب وأمر الرّكاب ، فسيّر المملوك النّسخة فإن وافقت فيتصدّق المولى بترجمة يلصقها على ما كتبه المملوك ، ويأمر نجم الدّين بتسلّم الكتاب ، مع أنّ ابن الجليس حدّثه عنه أنّه ممتنع من السّفر إلّا بالمكاتبة بها. فأمّا الّذي يترجم به مولانا فيكون مثل الّذي يدعى به على المنبر لمولانا ، وهو الفقير إلى الله تعالى يوسف بن أيّوب. وإذا كتب إليهم ابن رزّيك من السّيّد الأجلّ ، الملك الصّالح ، قبح أن يكتب إليه مولانا الخادم. وهذا مبلغ رأي المملوك. وقد كتبت النّسخة ، ولم يبق إلّا تلك اللّفظة ، وليست كتابة المملوك لها شركا ، والمملوك وعقبه مستجيرون بالله ، ثم بالسّلطان من تعريضهم لكدر الحياة ، ومعاداة من لا يخفى عنه خبر ، ولا تقال به عثرة. والكتّاب الّذين يشتغلون بتبييض النّسخة موجودون ، فينوبون عن المملوك».
ومن كتاب له رحمهالله إلى السّلطان : «تبرّم مولانا بكثرة المطالبات ، لا أخلاه الله من القدرة عليها ، وهنيئا له. فالله تعالى يطالبه بحفظ دينه ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم يطالبه بحسن الخلافة في أمّته ، والسّلف يطالبونه بمباشرة ما لو حضروه لما زادوا على ما يفعله المولى ، وأهل الحزب يطالبونه بالذّهب