قال : ودخل إلى حدود بلاد قلج أرسلان ، وردّ الرهائن ، وبقي سائرا ثلاثة أيّام ، وتركمان الأوج يلقونه بالأغنام والأبقار والخيل والبضائع ، فتداخلهم الطّمع وتجمّعوا له من جميع البلاد ، ووقع القتال بين التّركمان وبينهم ، وضايقوه ثلاثة وثلاثين يوما وهو سائر. ولمّا قرب من قونية جمع ابن قلج أرسلان العساكر ، فضرب معه المصافّ ، فكسره ملك الألمان كسرة عظيمة ، وسار حتّى أشرف على قونية ، فخرج إليه جموع عظيمة ، فردّهم مكسورين ، وهجم قونية بالسّيف ، وقتل منهم عالما عظيما من المسلمين ، وأقام بها خمسة أيّام ، فطلب قلج أرسلان منه الأمان فآمنه ، وأخذ منه رهائن عشرين من أكابر دولته ، وأشار على الملك أن يمرّوا على طرطوس (١) ففعل.
وقبل وصوله بعث إليّ رسولا ، فأنفذ المملوك خاتما ، وصحبته ما سأل ، وجماعة إليه ، فكثرت عليه العساكر ونزل على نهر فأكل خبزا ونام ، ثمّ تاقت نفسه إلى الاستحمام ففعل ، وتحرّك عليه مرض عظيم ومات بعد أيّام قلائل.
وأمّا لافون فسار لتلقّيه ، فلمّا علم بهذا احتمى بحصن له. وأمّا ابن ملك الألمان فكان أبوه منذ خرج نصب ولده هذا عوضه ، وتأصّرت (٢) قواعده ، فلمّا بلغه هرب رسل لافون نفّذ يستعطفهم فأحضرهم وقال : إنّ أبي كان شيخا كبيرا ، وإنّما قصد هذه الدّيار لأجل حجّ بيت المقدس وأنا الّذي دبّرت الملك ، فمن أطاعني وإلّا قصدت بلاده. واستعطف لافون ، واقتضى الحال الاجتماع به ضرورة. وبالجملة قد عرض عسكره ، فكانوا اثنين وأربعين ألف فارس ، وأمّا الرّجّالة فلا يحصون ، وهم أجناس متفاوتة ، وهم على سياسة عظيمة ، حتّى إنّ من جنى منهم جناية قتل. ولقد جنى كبير منهم على غلامه فجاوز الحدّ في ضربه ، فاجتمعت القسوس للحكم فأمروا بذبحه ، فشفع إلى الملك منهم خلق ، فلم يلتفت إلى ذلك وذبحه. وقد حرّموا الملاذّ
__________________
(١) هكذا في الأصل ، والمراد : «طرسوس».
(٢) في تاريخ ابن الفرات ٤ / ١ / ٢١٨ «تأكّدت».