طريق ، فنزل صلاح الدّين على تلّ كيسان ، وسيّر الكتب إلى ملوك الأطراف يطلب العساكر ، فأتاه عسكر الموصل وديار بكر والجزيرة ، وأتاه تقيّ الدّين ابن أخيه (١).
قال ابن الأثير (٢) : فكان بين الفريقين حروب كثيرة ، فقاتلهم صلاح الدّين في أوّل شعبان ، فلم ينل منهم غرضا ، وبات النّاس على تعبئة ، وباكروا القتال من الغد ، وصبر الفريقان صبرا حار له من رآه إلى الظّهر ، فحمل عليهم تقيّ الدّين حملة منكرة من الميمنة على من يليه فأزاحهم عن مواقفهم ، والتجئوا إلى من يليهم ، وملك تقيّ الدّين مكانهم والتصق بعكّا. ودخل المسلمون البلد ، وخرجوا منه ، وزال الحصر. وأدخل إليهم صلاح الدّين ما أراد من الرجال والذّخائر (٣) ، ولو أنّ المسلمين لزموا القتال إلى اللّيل لبلغوا ما أرادوا. وأدخل إليهم صلاح الدّين الأمير حسام الدّين السّمين.
[ذكر الوقعة الكبرى]
قال (٤) : وبقي المسلمون إلى العشرين من شعبان ، كلّ يوم يغادون القتال ويراوحونه ، والفرنج لا يظهرون من معسكرهم ولا يفارقونه حتّى تجمّعوا للمشورة ، فقالوا : عساكر مصر لم تحضر ، والحال مع صلاح الدّين هكذا. والرأي أنّنا نلقى المسلمين غدا لعلّنا نظفر بهم. وكان كثير (٥) من عساكر السّلطان غائبا ، بعضها في مقابل أنطاكية خوفا من صاحب أنطاكية ، وبعضها في حمص مقابل طرابلس ، وعسكر في مقابل صور ، وعسكر مصر بالإسكندريّة ودمياط ، وأصبح صلاح الدّين وعسكره على غير أهبة ، فخرجت الفرنج من الغد كأنّهم الجراد المنتشر ، قد ملئوا الطّول والعرض ، وطلبوا ميمنة الإسلام وعليها تقيّ الدّين عمر ، فردفه السّلطان برجال ، فعطفت الفرنج
__________________
(١) مشارع الأشواق ٢ / ٩٤٠.
(٢) في الكامل ١٢ / ٣٤ ، ٣٥.
(٣) مشارع الأشواق ٢ / ٩٤٠.
(٤) ابن الأثير في الكامل ١٢ / ٣٦.
(٥) في الأصل «كثيرا».